حربٌ في انتظار الحرب؟!

حربٌ في انتظار الحرب؟!

  • ٠٤ حزيران ٢٠٢٤
  • جورج طوق

تقرير المصائر بين القذائف والمقامرة

في حاضرنا الداكن هذا، لا نعلم لما يزال تعبير "طبول الحرب" رائجًا. فالتقليد العتيق هذا تلاشى منذ زمنٍ سحيق. كان ذاك الدويّ محفّزًا لتدفّق الهرمونات الذكوريّة والعدائيّة والدماء، ونذيرَ شؤمٍ شديدٍ عند نساء وعقلاء الماضي. لطالما فضّل العقلاء والنساء سيل الدماء، حصرًا،  داخل أوعيتها الطبيعيَة، لكنّ الأصوات العاقلة، تاريخيًّا وحاضرًا، قليلةٌ ومهمّشةٌ أمام سلطان الغرائزَ وخرافات المراجل. واقعٌ لن يتبدّل قريبًا.

"طبولُ حربٍ وقنابلُ في آن"
ما من حربٍ، في التاريخ، استمر قرع طبولِها نيّفٍ وستّة شهور، كما هو حاصلٌ في لبنان، منذ طوفان السابع من أكتوبر. لم يحصل، أيضًا، أن اختلط صدى طبول الحرب بدويّ قنابلَها، ولا أن أُزهقت، بدمدمة طبلٍ، مئات الأرواح وهُدمت آلاف المنازل وهُجّرت مئات الآلاف. فالتدمير والتهجير والموت هي عوارضُ حربٍ لا قرع طبولٍ لها. العدوّ لم يقرع طبلًا. ليس قرعُها، أصلًا، من بين عاداته. فطوفان حماس لم تسبقه طبولٌ، ولا التهجير والتدمير والإبادة، التّي يرتكبها العدوّ، أعلنت عنها دمدمةٌ واحدة. كلامٌ كثير عن طبولِ حربٍ وهي مستعِرة بلا هوادة، وأحاديثَ عن فتح الجبهة اللبنانيّة وهي لم تُغلق يومًا. يُبشّروننا بصيفٍ حار والشتاء كان علينا ملتهبًا. لا شيء باردٌ هنا، أصلًا، إلّا دماء القتلة. فالتلاعب بالتعابير والمسمّيات لا يبدّل في حُلكة الواقع.

"الخُبثاء المستفيدون في الحرب"
لا أحد يحبّ الحرب إلّا الخبثاء وخفيفي الذهن. الأولون مستفيدون لا يحصون قتلى، والأخيرون، لخفّة عقولهم، يصدّقون سرديّات الخبث. تلك هي قاعدةٌ تاريخيّةٌ لا تَخيب.
نتانياهو خبيثٌ يُطيل، في صبّ النار على غزّة ولبنان، أيّامه في الحكم وخارج القضبان، وحلفاءُ له خبثاءُ متطّرفون، يتيح لهم الموت فسحةً مُثلى في بثّ كراهيّتهم. تقارعهم، في الخبث، دولةٌ لا يجيد نظامها، إلى جانب حياكة السجّاد، غير حياكة الميليشيات. وهي تضيف، في حربٍ على غير حسابها، نفوذًا وأوراقٍ خبيثةً لها على طاولات التفاوض. وما غير ذلك إلّا سرديّاتُ تلاعبٍ بقواعدَ العالم وعواطفَ البُسطاء، على شاكلة السقوف العاليّة لأهداف حرب نتنياهو وصحبه المتطرّفين وخرافات جبهات الإسناد لما يُلقّب بمحور الممانعة.

"النهاية ليست بالحديد والنار"
يعرف الجميع أنّ نتنياهو ليس مطلق اليدين. صحيح أنّ الأمريكيّ يمدّ إسرائيل بكلّ ما تتمنّاه، لكنّه لن يسمح أن تجري رياحها بغير ما تشتهي سفن انتخاباتهم الرئاسيّة. والجميع يعرفون، من دون أيّ شكّ، أنّ حماس وحزب الله لا يملكون كامل قرارهم. هناك من يقرّر في المهم. في النهاية، ليس بالحديد والنار وحدهما تُقرّر المصائر. هناك الجالسون، بوجوه البوكر، على طاولة التفاوض والمقامرة، يتاجرون ويفاصلون في سوق الأرواح والسياسة والمال… ويقرّرون.