الإعتماد المصرفي يدق النفير في بكركي.. يا غيرة الدين

الإعتماد المصرفي يدق النفير في بكركي.. يا غيرة الدين

  • ١٢ حزيران ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

يحاول حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري تصوير عهده أنّه تصحيح لنهج رياض سلامة، لكن في الواقع يتعامل مع القضايا بشكلٍ غير فعّال. وكانت قضية بنك الإعتماد المصرفي، حجة خطاب المركزي في نهجه الجديد.

أحيلت 4 مصارف إلى هيئة التحقيق الخاصة، فهي إلى جانب الإعتماد المصرفي، الإعتماد الوطني والبركة وفيديرال بنك. في خلفية التحقيقات في وضع هذه المصارف، وشكاوى المودعين عن عدم حصولهم على أموالهم، وفقاً لتعاميم مصارف لبنان. كما لم تلتزم بتكوين السيولة 3 في المئة التي طلبها منهم حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، لضمان قدرتها على التسديد للمودعين وفقاً للتعاميم، وعندما تعثرت، حولت إلى الهيئة المصرفية العليا، ومن تبين ارتكابه جرائم حوِّل إلى هيئة التحقيق الخاصة.

التحقيق في وضع هذه المصارف، أتى في محاولة منصوري للحفاظ على رضى المودعين، فيما غضّ النظر عن باقي المصارف، التي التزمت بالدفع وفقاً للتعاميم. فكل المصارف متعثرة، ووضع الإعتماد المصرفي يشبه الكثير من المصارف، فالجرائم المالية موجودة في كل البنوك، هذه البنوك الأربعة تمتلك السيولة ولم تسدّد للمودعين، فيما المصارف الكبرى التزمت بالتعاميم وحمت نفسها.

أمام محاولة المصرف تسوية أوضاع هذه المصارف، يحاول رئيس مجلس إدارة بنك الإعتماد المصرفي طارق خليفة تحويل القضية إلى خلاف طائفي، حيث قامت مديرة المصرف نائلة زيدان، بزيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ناقلةً رسالة خليفة بأنّه يتم التركيز على المصرف، والتغاضي عن شبهات حول سليم خليل، الذي يعمل على تأمين الدولارات من السوق للمصرف المركزي عبر الإعتماد المصرفي، أي أنّ دوره وسيط، ويريد محمد البعاصيري حمايته لأنّه مقرّب من الثنائي. وتضيف رواية خليفة أنّ بعاصيري يريد أخذ المصرف وإعطاءه للشيعة. 

هذا التحريض، يأخذ الملف إلى إطار طائفي، مما يؤدي غالباً بإيقاف البحث فيه وتوقف التحقيقات. وتشير مصادر نقلاً عن لجنة الرقابة أنّ هناك مخالفات قام بها خليل، لكن لا يوجد أي إثبات حتى صدور تقرير لجنة الرقابة، فيما تستخدم اليوم كورقة ضغط لإقفال الملف. ويعتمد خليفة في دفاعه عن روايته، أنّ بعاصيري مقرّب من بري، إذ قبل تعيينه مديراً مؤقتاً على المصرف بأسبوع، قام بزيارة لبريّ، أفضت إلى تعيينه.  

تشير مصادر إلى أنّ فتح قضية خليفة تعود لاحتماليين، إما ارتكاب تجاوزات بشكلٍ فاضح في المصارف الأربعة، عبر أخذه قروض بالفريش دولار وتسديدها باللولار، وهذا يعُد سرقة لأموال المصرف واستخدام سيولته، وإما هناك خلاف مع خليفة على إتفاقات معينة، مع إستبعاد الإحتمالية الثانية، لأنّ المصارف لوبي يتكتل مع بعضه ويحمي بعضه.

أما ما يحاول منصوري من ترويجه، يأنّه يقوم بتصحيح ما حصل في عهد سلامة، تناقضه ممارساته، فجميع المصارف متعثرة ولم يتمّ ملاحقة أياً منها، وفي وقت جمدت ملفات المصارف أمام القضاء، منها تحقيقات القاضية غادة عون مع 6 مصارف (بنك عودة، بنك الموارد، بنك مصر لبنان، البنك اللبناني للتجارة، فرنسبنك، انتركونتينتال بنك)، التي حصلت على قروض من مصرف لبنان بـ 6 مليار دولار، بين 30 أيلول 2019 و25 كانون الثاني 2020. كما استخدمت هذه المصارف الأموال في لبنان و في الخارج، وقد شملت تحقيقات عون تهم بالإثراء غير المشروع وتبييض الأموال وتهريبه وحجز أموال المودعين والتحويلات المالية إلى الخارج. فيما لم يتعاون سوى مصرفين فقدما أوراقهما، ورفعت ثلاث مصارف السرية المصرفية عن أموالها من أصل 15 مصرف، وهي بنك لبنان والمهجر، وبنك سرادار، وبنك الاعتماد المصرفي.

 فإن كان منصوري يريد فعلاً تسوية أوضاع المصارف، كان يجدر به متابعة تحقيقات شركة اوبتيموم، التي نتجت عنها عمولات بنحو 8 مليارات دولار، إضافة إلى ملف شركة فوري التي لا يزال  ملفها رهن القضاء. فيما اكتفى منصوري بالقول أنّه يتعاون مع التحقيقات، لكن كونه معني في ذلك، كان يفترض به أخذ صفة الإدعاء ومتابعة القضية، وملاحقة أموال المصرف في لبنان وخارجه. لكنه لم يتحرك كما لم يعرقل، وبقيّ دوره غير فعّال.

وفي خضم هذه التحقيقات، يجري النقاش عن آلية عمل الهيئة المصرفية العليا، التي  يرأسها حاكم مصرف لبنان ، وتضم نائباً عنه، ومدير المالية العامة، وقاضٍ مارس القضاء عشر سنوات، وعضو من جمعية المصارف، ورئيس المؤسسة الوطنية لضمان الودائع. أما هيئة التحقيق الخاصة تضم حاكم مصرف لبنان، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف، القاضي المعين في الهيئة المصرفية العليا، وهو المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، إضافة إلى عضو أصيل وعضو رديف يعينهما مجلس الوزراء.

والمشكلة في تركيبة هذه الهيئة أنّها لا تتمتع باستقلالية تجاه الحاكم المركزي والمصارف، حيث أنّ عضوية الحاكم وأحد نوابه وعضو جمعية المصارف، ورئيس المؤسسة الوطنية لضمان الودائع التي تحظى المصارف بنصف حصصها، ولديها التأثير الأكبر لاختيار رئيسها ومجلس إدارتها، وهي مؤسسة مختلطة بين المصارف والدولة، وعليه هناك 4 أعضاء من أصل 6 خاضعين مباشرة لسلطة الحاكم والمجلس المركزي وجمعية المصارف والمؤسسة الوطنية لضمان الودائع. وعليه أي نزاع يمكن أن يحل باتفاق بين الحاكم وجمعية المصارف، فكيف ستحاكم جمعية المصارف نفسها، كما أنّ آلية عملها تتضمن مشاكل عديدة، فالهيئة لا تنظر بالمخالفات إن لم يحيلها الحاكم بنفسه، ولا تجتمع إلّا بدعوة من إثنين من أعضائها أو الرئيس نفسه، وإن وجدت جمعية المصارف مخالفات ولم يحيلها الحاكم إلى الهيئة، لن يتم النظر فيها. كما هناك خلل إضافي أنّ صوت الحاكم مرجح، وأي إتفاق بينه وبين جمعية المصارف ومؤسسة ضمان الودائع، تعطل أي قضية.