اقتصاد إسرائيل صامد بقوة أميركية

اقتصاد إسرائيل صامد بقوة أميركية

  • ٢٩ أيلول ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

إنّها الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل. كل الحروب السابقة كانت سريعة، تعتمد على استنزاف الطرف الآخر. إسرائيل قامت بقوة الاحتلال، وهي مرفوضة من محيطها، مما يجعل خيار كونها اقتصاد قائم على السياحة والتكنولوجيا المتقدمة، خياراً سيئاً وله تبعاته القاسية في الاقتصاد.

من هنا تتجنب إسرائيل حروباً طويلة. وحربها على غزة قاربت عامها الأول، فيما جبهتها الشمالية اشتعلت مع حزب الله. بموازاة ذلك، قالت وكالتي "موديز" و"فيتش"، أنّهما ستخفضان تصنيف إسرائيل الائتماني، للمرة الثانية هذا العام.

داخلياً، يعاني الاقتصاد الإسرائيلي من تبعات الحرب، إذ ارتفع الناتج المحلي فقط بـ 0.7% على أساس سنوي، بين نيسان وتموز، بأقل من 5.2 نقطة مئوية مما كان متوقع، بحسب وكالة "بلومبرغ"، الأمر الذي دفع بوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إلى طلب من المشرعين الموافقة على زيادة طارئة في العجز.

تضاعف الإنفاق الدفاعي يثير قلق داخل إسرائيل، حيث حذرت البنك المركزي من أنّ الحرب قد تكلف 67 مليار دولار حتى عام 2025، وهذا التوقع سابق لاشتعال الجبهة مع لبنان.

وقد ارتفع التضخم 3.6 في المئة في آب الماضي، ورغم ذلك لم يرفع المصرف المركزي أسعار الفائدة، خوفًا من التأثير على التعافي، فيما بدأت رؤوس الأموال بالهروب من إسرائيل، وتنقل الشركات الناشئة الإسرائيلية مراكزها الى الولايات المتحدة الأميركية، كما أُغلقت عشرات الآلاف من الشركات، وبين أيار وتموز، تضاعف تحويل الأموال من البنوك الإسرائيلية إلى المؤسسات الأجنبية، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتصل إلى 2 مليار دولار. اليوم، يشعر صناع السياسات الاقتصادية في إسرائيل، بالقلق أكثر من أي وقت مضى منذ بداية الصراع، بحسب الـ "إيكونوميست".

كان جنرالات الحرب يتأملون توقف الأعمال العسكرية في تموز، فيومها كانوا بحاجة إلى 16 مليار دولار، بما يوازي 3 في المئة من الناتج المحلي، فوق الميزانية التي سبق وتم إقرارها، ثم زيادة دائمة قدرها 8 مليار دولار سنويًا للتعامل مع الوضع الأمني الجديد. أما اليوم يتوقع أن يصل العجز إلى 8.1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وهو يعادل ثلاثة أضعاف ما كان متوقعاً قبل الحرب. وكان الدين العام لإسرائيل قد بلغ 62 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، حتى كانون الثاني 2024، أما حاملو السندات فيبحثون عن تطمينات.

منذ السابع من تشرين الأول 2023، اقتصر القتال في غلاف غزة، وتحديداً في سديروت وعسقلان، أما اليوم، هناك تخوف من أن يمتد القصف المتواصل إلى القدس وتل أبيب، التي تعتبر المراكز التجارية لاسرائيل. الضرر طال قطاعي الزراعة والبناء، فيما القطاع التكنولوجي بقي مرناً، فيما تراجعت السياحة بأكثر من 75 في المئة، مما أدى إلى إغلاق العديد من المتاجر في الشوارع التي كانت عادة مزدحمة في المدينة القديمة في القدس المحتلة.

الحرب في الجنوب كلفت الإقتصاد الإسرائيلي، هناك 300 ألف مقاتل تركوا وظائفهم للمشاركة في القتال، بحسب الـ "إيكونوميست"، حيث أقفل العديد من المصانع والشركات في الجنوب الإسرائيلي، في مدينتي سديروت وعسقلان، مما أدى إلى توقف الإنتاج وتعطيل الاقتصاد المحلي. هذا التأثير يشمل أيضًا الزراعة، حيث تعرضت الحقول للضرر نتيجة القصف، ما يؤدي إلى خسائر كبيرة للمزارعين. وقدرت شركة "مهدرين"، إحدى أكبر الشركات الزراعة الإسرائيلية، خسائرها بـ 43.8 مليون دولار، حتى الربع الثالث فقط من هذا العام.

كما تضررت البنية التحتية في الجنوب، وتقدر كلفة إعادة الاعمار بمليارات الدولارات، وتشير التقارير تشير إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية قد تضطر لإنفاق مبالغ ضخمة تشمل إعادة بناء المنازل المدمرة، إصلاح الطرق، وشبكات الكهرباء والمياه في المناطق المتضررة مثل عسقلان وسديروت.

وفي وقت تعتمد اليد العاملة في إسرائيل، على العرب، خاصة في قطاعي البناء والزراعة، ويعمل حوالي الـ 150 ألف فلسطيني، من الضفة الغربية وقطاع غزة في المستوطنات الإسرائيلية. بعد 7 تشرين الأول 2023، رفضت تصاريح 80 ألف عامل فلسطيني، مما قلص حجم قطاع البناء بنسبة 40 في المئة، مقارنة بالعام الماضي.

ومع اشتعال الجبهة الشمالية مع لبنان، بدأ تخوف المستثمرين من هجمات حزب الله، التي قد ستضعف قطاع البناء أكثر نتيجة الوضع الأمني الجديد، في وقت يشهد الشيكل تقلبات والبنوك الإسرائيلية تعاني من هروب رأس المال، إذ تشير أكبر ثلاثة بنوك إلى زيادة كبيرة في عدد العملاء الذين يطلبون تحويل مدخراتهم إلى دول أخرى، أو ربطها بالدولار.

لكن، المقاربة الجدية للاقتصاد الإسرائيلي، ومدى قدرته على التكيّف مع الحرب، مرتبطة بشكلٍ رئيسي بالدعم الأميركي. فيوم الخميس، حصل وزارة الحرب الإسرائيلية على حزمة مساعدات بقيمة 8.7 مليار دولار من الولايات المتحدة، بحسب ما نقلت وكالة "بلومبرغ"، وتتضمن الحزمة، 3.5 مليار دولار للمشتريات الأساسية في زمن الحرب، و5.2 مليار دولار مخصصة لأنظمة الدفاع الجوي، بما في ذلك القبة الحديدية، ومقلاع داود ونظام الليزر المتقدم. هذا التمويل هو جزء من حزمة مساعدة طارئة أقرها الكونغرس في نيسان 2024، والتي تشمل 14.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية المباشرة لإسرائيل.

وبشكلٍ عام، تتلقى إسرائيل قرابة 3.8 مليار دولار سنوياً كمساعدات عسكرية من الولايات المتحدة، مما يجعلها أكبر متلقٍ للمساعدات العسكرية الأمريكية. تتوزع هذه المساعدات، بين 3.3 مليار دولار على التمويل العسكري الأجنبي، مما يمكّن إسرائيل من شراء المعدات والخدمات العسكرية من شركات الدفاع الأمريكية، و500 مليون دولار مخصصة لأنظمة الدفاع الصاروخي، بما في ذلك برنامج "القبة الحديدية" و"ديفيد سلاينغ" و"آرو".

كما تقوم الولايات المتحدة وإسرائيل بتدريبات عسكرية مشتركة وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ما يعزز القدرات التشغيلية للجيش الإسرائيلي.

قدمت الولايات المتحدة أيضاً لإسرائيل ضمانات قروض، مما سمح للدولة بالاقتراض من الأسواق الدولية بأسعار فائدة أقل. كانت هذه الضمانات ضرورية بشكل خاص خلال الأزمات الاقتصادية. وفي أيلول 2016، وقعت الولايات المتحدة وإسرائيل مذكرة تفاهم، لمدة 10 سنوات، تلتزم بتقديم 38 مليار دولار من المساعدات العسكرية من 2019 إلى 2028، على أن ترتفع تدريجياً لتصل إلى 3.8 مليار دولار سنوياً بحلول عام 2028.