أزمة إنقطاع الكهرباء.. حكاية «بريق الزيت»

أزمة إنقطاع الكهرباء.. حكاية «بريق الزيت»

  • ١٠ تموز ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

كحدث روتيني، تتوقف شركة كهرباء لبنان عن انتاج الكهرباء لغياب الفيول، ويغرق لبنان في عتمة شاملة، مقابل تقاذف المسؤوليات حول النتيجة، فيما الأسباب تعود لسلطة الأمر الواقع، وهي الدولة العميقة.

عند الحديث عن قطاع الطاقة في لبنان، ينظر بالدرجة الأولى إلى شركة كهرباء لبنان، وتصنيفها بالمؤسسة الفاشلة، ومصدر هدر وفساد بات معلوماً جداً . لكن خلفها، كجميع مؤسسات الدولة، تدمير ممنهج لها، بهدف بيعها وخصخصتها. هنا تظهر سلطة المافيات، المتمثلة بشبكات المولدات الخاصة، المحميين من أحزاب المنظومة، كلٌ في منطقته وطائفته، وخلفهم أيضاً، مجموعة من مستوردي المشتقات النفطية، الذين يحتكرون القطاع.

في بيانٍ لها، أعلنت شركة كهرباء لبنان «إنّ شحنة مادة الغاز أويل الموردة لصالح مؤسسة كهرباء لبنان بواسطة وزارة الطاقة والمياه – المديرية العامة للنفط، والمخصّصة لشهر حزيران 2024، قد وصل القسم الأول منها إلى المياه الإقليمية اللبنانية... ولكنه تبين بالتوازي أيضًا، وجود حجز مالي على الشحنة بقسميها من قبل المورد نتيجة الإشكالية المالية ما بين مصرف لبنان، الحكومة اللبنانية، والحكومة العراقية، ما يحول دون إمكانية المباشرة بتفريغ حمولة القسم الأول للشحنة المذكورة، ومن ثم القسم الثاني منها بعد استكمال الإجراءات الفنية، والإدارية والجمركية اللازمة له» وأفادت «أنّها عمدت احترازيًا إلى إبقاء أولوية التغذية بالتيار الكهربائي للمرافق الحيوية الأساسية في لبنان (المطار، المرفأ، مضخات المياه، الصرف صحي، السجون، الجامعة اللبنانية، المرافق الأساسية في الدولة...)، وذلك جراء تدني تخزين مادة الغاز أويل لديها بشكل حاد جدًا».

ترتبط الأزمة الحالية بالإتفاق مع العراق، ويشرح الباحث في مجال الطاقة، وطالب الدكتوراه في إيرلندا، والزميل في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، مارك أيوب لـ «بيروت تايم» تفاصيل ما يحصل، إذ أنّ وزارة الطاقة رفعت التعرفة على الجميع، وبدأت تجبي الفواتير بالدولار والليرة على سعر صرف السوق السوداء، وعليه فالوزارة تمتلك الأموال في رصيدها قادرة على التصرّف بها، والتي بلغت منذ شهرين إلى الوراء نحو 250 مليون دولار. 

الإتفاق مع الدولة العراقية يقوم باستحصال لبنان على النفط العراقي، مقابل تسديد ثمنه عبر وضع أموالٍ في حساب تصرفه العراق داخل لبنان عبر خدمات مختلفة، صحية وتجارية وغيرها. سدّد لبنان دفترياً حساب أول سنة، فيما يطالب العراق بمستحقات العقد الثاني للاعوام 2022-2023 و2023-2024. ما استجد مؤخراً، هو أنّ وزارة الطاقة أعلنت عن مناقصة عبر هيئة الشراء العام لتستورد كمية من الفيول، غير الفيول العراقي، بقيمة 30 مليون دولار، وأرادت الوزارة تسديد هذا المبلغ من أموال الوزارة التي حصلتها من الجباية، مما أثار حفيظة العراقيين، وطالبوا بالأموال المستحقة، وجمدوا شحنة شهر حزيران، لتقف البواخر المحملة بالفيول أمام محطتي دير عمار والزهراني، وهم بانتظار فتح الإعتماد لتفريغ الحمولة. ويرفض العراقيون تفريغ الحمولة قبل الحصول على تعهد يحدّد مصير الأموال المستحقة، إلى أن وصلت القضية إلى رئيس الوزراء العراقي، الذي يعمل على حل الازمة.

هذه القصة ليست جديدة، بل قصة إبريق الزيت نفسه، يقول أيوب وتتكرر كل عام، خاصة وأنّ مقاربة الحكومة للمشكلة، لا ترتقي إلى حجم الأزمة. فهم يبحثون على حلول ترقيعية، حيث «تعتمد الوزارة على مصدر واحد للفيول، وهو العراق، وسابقاً تمّ الإعتماد على البواخر، لكن لا حلول جذرية للمشكلة. فاذا قرر العراق التوقّف عن إمداد لبنان بالنفط، لا مصدر آخر لنا، المرافق الحيوية تعتمد على هذا المصدر فقط».

وفي حال تمّ الإتفاق على حلّ المشكلة هذا الشهر، هذا لا يلغي احتمالية تكراره الشهر المقبل أو الذي يليه، وفي العام المقبل، وفي حال تجدّد العقد الذي يعمل على أساس سنوي، وهناك تراكم لإلتزامات لبنان تجاه الدولة العراقية بقيمة 1.5 مليار دولار، والسؤال هو من سيسدّد هذه المبالغ. وبحسب خطة مؤسسة كهرباء لبنان، سيستمر لبنان باستقدام النفط العراقي حتى عام 2028، وهذا سيراكم الأموال المستحقة لتصل إلى 5 مليار دولار، وهذه ديون علينا لا يعرف من سيسددها.

في المقابل تجديد قطاع الطاقة لا يكلف هذه المبالغ كلها، يضيف أيوب، ويقترح حلولاً واقعية، «في حال تقرّر بناء معمل على الغاز، خاصة أنّ المعامل التي تعمل على الفيول لم تعُد صالحة، وبكلفة كحدٍ أقصى  تصل الى 700 مليون دولار وقدرتها الإنتاجية ألف ميغاوات»، وهذا يحصل بعد إجراء دراسة حول حاجة لبنان من الطاقة، خاصة مع تراجع حجم الطلب بسبب الأزمة الإقتصادية وإقفال المصانع والمحال، والوزارة تمتلك المبلغ المطلوب، بحكم الأموال المتراكمة من الجباية. 

ويشير أيوب إلى إمكانية الإعتماد على الطاقة المتجددة لتوفير الكهرباء في الاطار العام، «ففي لبنان فورة في الطاقة الشمسية لكنها غير منظمة، فيما الكهرباء المنتجة لا تفيد الشبكة العامة، فجزء كبير منها لا يتم استهلاكه، ففي حال توفر شبكة منظمة قادرة على توزيع الفائض وجباية ثمنها، فهذا سيكون أحد الحلول، إذ هناك اتجاهين وليس حل واحد فقط، لكن يجب التوجه نحو الحل الانظف، وبطريقة منظمة. وهذا يشبه الطرح القطري-الفرنسي الذي قُدّم لنا منذ فترة، لكن لم تطرح مناقصة للمشروع وهناك محاولة لتلزيم المشروع بالتراضي، وهذا ما سبّب السجال بين وزير الطاقة ووزير الاقتصاد، وانعكس اليوم على انقطاع الكهرباء».

هذه الحلول التقنية لا تكفي برأي أيوب، فالمشكلة لم تكن يوماً تقنية، بل في السياسة، ويتساءل «في ظلّ غياب الكهرباء من المستفيد؟ أصحاب المولدات، الذين بدورهم يشترون المازوت من المستوردين، والذي يحتكرون السوق، وبالتالي تراكم الأرباح للقطاع الخاص، والقطاع الخاص هنا هم رجال الاعمال المرتبطين بالطبقة الحاكمة، ومن هنا يُفهم رفضهم الضريبة على أرباحهم، لأنّها في الواقع ضريبة عليهم مباشرة. فيما تصبّ سردية سوء إدارة شركة الكهرباء في مصلحة خطاب بيع أصول الدولة، وذلك يترافق مع نقاش ثلاث مشاريع قوانين في اللجان المشتركة لبيع واستثمار أصول وأملاك الدولة، وهنا يجب النظر إلى هوية القطاع الخاص الذي سيستثمر في قطاع الكهرباء المفلس، وهم حكماً رجال الاعمال من الزمرة الحاكمة نفسها، وفي تكرار لسيناريو علاء الخواجة في دير عمار وهوا عكار».

ويلفت أيوب إلى أنّه منذ ما بعد الطائف، عاش قطاع الطاقة 20 عاماً من الخصخصة، لم يؤدِ إلى أي  تحسّن فيه، لا من ناحية التعرفة ولا الإنتاجية ولا رفع التعديات، كما أنّ المولدات هي قطاع خاص. وهذا لا ينفي سوء الإدارة في الشركة، لافتاً إلى ضرورة وضع المسؤولين عن الوضع في السجون، «فليس هناك بلد في العالم يتم تهديد  مرافقه الأساسية، من المطار إلى المستشفيات بانقطاع الكهرباء عنها يوم الخميس، كأنّهم يقولون للناس إنهوا أعمالكم قبل يوم الخميس، وهذا الإنذار بحد ذاته جريمة».

ويؤكد أيوب  أن لا حلول جذرية لأزمة الكهرباء سوى من خلال حلٍ مركزي، لتتمكن مؤسسة كهرباء لبنان من العمل بشكلٍ جيّد، وهذا يتطلب قراراً سياسيّاً، «الحديث تقني يشتت الفكرة الأساسية، فالجميع مستفيد من بقاء الوضع كما هو عليه، وكل فترة يهددون المواطنين بانقطاع الكهرباء، فيلجأ الناس إلى تركيب ألواح الطاقة الشمسية، أو الدفع مبالغ إضافية إلى أصحاب المولدات».

على ضوء هذا الواقع المنهك، استسلم الناس لواقعهم، منهم من ألغى إشتراك كهرباء الدولة، ولجأوا إلى ألواح الطاقة الشمسية، وآخرين قبلوا العيش تحت رحمة أصحاب المولدات، فإما يرضخون للتعرفة، أو يحرمون من الكهرباء، فلا ضبط للتعرفة وعدد ساعات التغذية، ولا عدادات ولا رقابة من الوزارة. فيما وزير الاقتصاد أمين سلام يفرح لانقطاع الكهرباء، لاعتباره نصراً في السياسة على وزير الطاقة وليد فياض. وبين الاستثمار السياسي بأساسيات العيش، يقف مصرف لبنان قابضاً على أموال الضرائب، ومانعاً الكهرباء عن المواطنين. 

(غداً: منصوري يمنع تمويل الكهرباء ليقلص خسائر المركزي)