سيادة الدول لا تمرّ في إسرائيل

سيادة الدول لا تمرّ في إسرائيل

  • ٠١ آب ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

اغتيال رئيس المكتب السياسي «لحماس» إسماعيل هنية في إيران أمس، واغتيال المستشار العسكري في المجلس الجهادي لحزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت في الأول من أمس، يُعدّ خرقاً لسيادة هذه الدول. ولإسرائيل تاريخ حافل في خرقها سيادة دول، بهدف تنفيذ عمليات الاغتيال.

لا تخرج أصوات غربية تعارض فعل الاغتيال، بل تعتبره «تصعيد خطير». فماذا لو اغتالت المقاومة الفلسطينية رئيس الحكومة الإسرائيلية، داخل أو خارج الأراضي المحتلة، هل سيلقى الحدث الدعم الدولي عينه؟ 

يعرّف القانون الدولي سيادة الدولة بأنَّها المبدأ الذي يخوّل الدولة حق الحكم الذاتي دون تدخّل خارجي، على أن تكون الدولة هي السلطة العليا وقوانينها هي أعلى المعايير القانونية. ويضمن الأمر من خلال سلامة الأراضي حيث تمتلك الدولة الحق الحصري في ممارسة سلطتها داخل حدودها الجغرافية، والاستقلال السياسي، إذ يحق للدولة تحديد نظامها السياسي وسياساتها وهيكلها الحكومي دون إكراه خارجي. ويمنع القانون الدولي التدخّل أي دولة أو جهات فاعلة دولياً في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة.

وتؤكد المادتين 2(1) و2 (4)، في ميثاق الأمم المتحدة، على احترام المساواة السيادية وحظر استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة.

في بحث قام به الصحافي الإسرائيلي رنين بيرغمان، في كتاب صدر عام 2018، تحت عنوان "انهض واقتل أولًا: التاريخ السري للاغتيالات الإسرائيلية"، أشار إلى أن إسرائيل نفذت خلال العقود السبعة الأخيرة 2300 عملية اغتيال، قتلت خلالها الآف المواطنين.

تخطط إسرائيل وتنفذ عمليات الإغتيال عبر أجهزتها الاستخباراتية، وهي هيئة الاستخبارات والمهمات الخاصة (الموساد)، وجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، وشعبة الاستخبارات العسكرية (آمان)، ووحدة استطلاع هيئة الأركان العامة الإسرائيلي (سايريت ماتكال)، ووحدة شايطيت 13.

يعمل الموساد على التخطيط وتنفيذ الاغتيالات في دول العالم، لكن ليس في دول الأعداء، والتي يصنفونها «الدول المستهدفة»، فيما يعمل الشاباك في الأراضي المحتلة. ومنذ أيلول عام 2000، جمعت الوحدات العسكرية والمدنية تحت السقف في غرفة حرب دائمة لعمليات القتل المستهدف، ما أدى إلى رفع حجم الإغتيالات التي نفذتها إسرائيل في 24 عام 2000، إلى 135 خلال 3 سنوات. وبحسب بيرغمان أنّه حتى عام 2000، نفذت إسرائيل أكثر من 500 عملية اغتيال أسفرت عن مقتل أكثر من 1000 شخص، بما في ذلك المستهدفون والمتفرجون. وخلال الانتفاضة الثانية، نفذت إسرائيل 1000 عملية أخرى، نجحت 168 منها. ومنذ ذلك الحين، نفذت إسرائيل أكثر من 800 عملية إغتيال لقادة حماس المدنيين والعسكريين في قطاع غزة والخارج.

يتمّ تحديد الهدف عبر عدة قنوات ممأسسة داخل الموساد، وأحياناً يتمّ التعاون مع المخابرات الإسرائيلية الأخرى وشبكات التجسس حول العالم، وبعد تحديد الهدف، يقيّم الموساد المعلومات المتوافرة لديه، ليتخذ القرار بتنفيذ العملية وآلياته. ويرفع تقرير إلى رؤساء لجنة أجهزة الاستخبارات، لتناقش العملية، لكن صلاحية اتخاذ القرار بالتنفيذ تعود لرئيس الوزراء.

 

في حديث له للـ «الجزيرة»، قال بيرغمان أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي، «يفضل الوزراء عادة عدم إتخاذ هذا القرار بأنفسهم لأسباب سياسية، وفي كثير من الأحيان، يشرك رئيس الوزراء وزيراً أو وزيرين آخرين في قرار الموافقة، والذي يشمل في كثير من الأحيان وزير الدفاع». وبعد أخذ القرار يعود الأمر إلى الموساد لتنفيذ العملية، وقد يستغرق الأمر أسابيع أو أشهر أو سنوات، وذلك يعتمد على الهدف.

تستخدم إسرائيل عدة تكتيكات في تنفيذ عمليات الإغتيال، منها الإستهداف بالسيارات المفخخة، والقنابل اللاصقة، والأسلحة النارية، والسم، والطائرات بدون طيار (الدرونز)، والإغتيالات الميدانية، والتفجيرات عن بعد، والحرب الإلكترونية والهجمات السيبرانية، والعمليات النفسية والمعلوماتية، والعملاء المزدوجين والجواسيس.

للموساد علاقات جيدة مع أجهزة مخابرات عربية، فيما يمتلك مركزاً إقليمياً لعملياته في الشرق الأوسط في العاصمة الأردنية عمان. وبحسب بيرغمان، تحافظ المغرب على علاقات قوية مع الموساد منذ الستينيات. وفي حديثه للجزيرة قال ضابط العمليات السابق في وكالة الاستخبارات المركزية روبرت بير إنَّ «أي اغتيال لأي هدف لا ينطوي على قيود قانونية، إذ أنّها جزء من سياستهم الوطنية».

تتهرّب إسرائيل من المسؤولية عبر عدم إعترافها بتنفيذها عمليات الإغتيال، كما يلعب الدعم الدولي دوراً في تقوية موقع إسرائيل، خاصة دعم الولايات المتحدة الأميركية التي توفر لإسرائيل غطاءً سياسيّاً وديبلوماسياً، مما يحميها من العقوبات الدولية. فيما تبرر إسرائيل أفعالها على أنّها «إجراءات دفاعية ضرورية لحماية أمنها القومي»، وتؤكد أنّها تستهدف «إرهابيين» يهددون حياة مواطنيها. كما أنّ المؤسسات الدولية لا تمتلك السلطة الكافية لفرض عقوبات على إسرائيل. 

وتلعب الدعاية الإسرائيلية وسرديتها حول أحقية وجودها كوطن تاريخي لليهود، منطلقةً من المحرقة اليهودية التي قام بها النازيون بحق يهوج أوروبا، وقدرتها على التأثير على الراس العام الغربي، لتبرر أفعالها، إذ أي هجوم عليها يوضع في خانة معاداة السامية، استكمالاً لاضطهاد اليهود.

وعلى مرّ السنين، نفذت إسرائيل عمليات اغتيال في دول العالم، خارقةً سيادة هذه الدول، ومنها لبنان حيث نفذت عمليات إغتيال ضد قيادات في فصائل فلسطينية وحركات مقاومة لبنانية، مثل علي حسن سلامة، قائد العمليات الخاصة في منظمة التحرير الفلسطينية وعضو بارز في منظمة «أيلول الأسود»، واغتيل في بيروت في 22 كانون الثاني 1979، وكمال ناصر وكمال عدوان وأبو يوسف النجار، الذين اغتيلوا في بيروت في 10 نيسان 1973 خلال عملية «ربيع الشباب» التي نفذها كوماندوس إسرائيلي.

في سوريا، اغتالت إسرائيل شخصيات قيادية في حزب الله مثل عماد مغنية، وشخصيات في الحرس الثوري الإيراني. وفي إيران اغتالت علماء نوويين مثل محسن فخري زاده. وفي الأردن حاولت اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل عام 1997. وفي الإمارات اغتالت القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي عام 2010. وفي تونس اغتالت قادة في منظمة التحرير الفلسطينية، منهم نائب رئيس حركة فتح وقائد الجناح العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية خليل الوزير (أبو جهاد)، الذي اغتيل في 16 نيسان 1988، القادة في منظمة التحرير الفلسطينية، صلاح خلف (أبو إياد)، هايل عبد الحميد (أبو الهول)، وفخري العمري، اغتيلوا في 14 كانون الثاني 1991، وقياديين في حماس مثل مهندس الطيران والعضو في كتائب القسام محمد الزواري عام 2016. وفي ماليزيا، اغتالت مهندس فلسطيني وهو عضو في حماس فادي البطش، عام 2018. إلى جانب عمليات اغتيال في فرنسا وقبرص وألمانيا وقطر.

عند كل عملية اغتيال، يتجه النقاش حول مكانة الشخصية المستهدفة، وأبعاد الإغتيال على الدول واحتمالية توسّع الحرب، لكن لا نقاش أو محاولات جديّة لمساءلة إسرائيل على انتهاك سيادة الدول، وتنفيذها عمليات مجازر وإبادة، وكأن القانون الدولي وضع على المُحتل لا المِحتل.