السياحة تخسر يوماً والزراعة تخسر دوماً

السياحة تخسر يوماً والزراعة تخسر دوماً

  • ٢٤ آب ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

في حال توقفت الحرب اليوم، سيعاود القطاع السياحي نشاطه، وإن استثنينا آخر أيام الصيف، ففي فترة عيد الميلاد، سيعود الحديث عن عدد السياح والمغتربين القادمين لقضاء فترة الأعياد في لبنان، وسيعود تعداد الطائرات وعدد الركاب، ونسبة الإشغال في الفنادق. أما وقف إطلاق النار فلن ينعكس بنفس الإيجابية على القطاع الزراعي، الذي سيحتاج سنوات ليعود إلى وضعه ما قبل الحرب.

منذ بداية الحرب والحديث يدور عن خسائر القطاع السياحي، و أكبر الخسائر في الاقتصاد اللبناني. وبالأرقام، يعتبر هذا القطاع هو الخاسر الأكبر إذ شكل نحو 27 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي عام 2023، وتقدر تدفقاته بأكثر من 5 مليار دولار سنوياً، لكن في التبعات الاقتصادية ومعيشة المواطنين، فالزراعة هي الأكثر تضرراً من الحرب، رغم أنّها لا تشكل أكثر من 9 في المئة من الناتج المحلي.

المقاربة في تحديد القطاع الأكثر تضرراً من اعتبار الخسارة هي أرقام أم مقاربة الاقتصاد كمحرك رئيسي لمعيشة المواطنين. يعتبر «التقرير الاقتصادي» للفصل الثاني من عام 2024، الصادر عن بنك «عودة»، فإنّ القطاع السياحي هو الأكثر تضرراً جراء الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان.

لكن في حال توقفت الحرب اليوم، سيعاود القطاع نشاطه، وإن استثنينا آخر أيام الصيف، ففي فترة عيد الميلاد، سيعود الحديث عن عدد السياح والمغتربين القادمين لقضاء فترة الأعياد في لبنان، وسيعود تعداد الطائرات وعدد الركاب، ونسبة الإشغال في الفنادق. أما وقف إطلاق النار فلن ينعكس بنفس الإيجابية على القطاع الزراعي، الذي سيحتاج سنوات ليعود إلى وضعه ما قبل الحرب.

تظهر أرقام وزارة الزراعة حجم خسائر القطاع الزراعي في الجنوب الكارثية، حيث أدى القصف إلى احتراق مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وإلى تلوّث التربة ودمار شبكات الريّ وشبكات الطرق وإلى تعطيل سلاسل التوريد وحركة انتقال المزارعين من الجنوب.

وبحسب إحصاءات الوزارة، تسبّب قصف الفوسفور الأبيض الذي حصل بين 8 تشرين الأول 2023 و5 حزيران 2024، باندلاع 812 حريق، وتلف 2400 دونم من الاحراج والأراضي الزراعية بشكلٍ تام، وتسبّب بخراب مساحة تقارب الـ 6500 دونم نت الاحراج والأراضي الزراعية، فيما الأشجار الأكثر تضرراً هي الزيتون، والصنوبر والسنديان. وأصاب الضرر 55 في المئة من شجر البلوط والازهار والغار، وأصابت 35 في المئة من الأشجار الزراعية والحمضيات، و10 في المئة من الأعشاب.

وتسبّب الفوسفور الأبيض بنفق 340 ألف طائر و970 رأس من المواشي، وخراب 13 مزرعة، و93 خيمة زراعية، و370 قفيل نحل، ودمار كامل لمستودع أعلاف بمساحة 600 متر مربّع.

القطاع هو مصدر رزق لما يزيد عن 70 في المئة من الأسر الجنوبية التي تعتاش من زراعة الأرض، وتربية الأبقار والأغنام والنحل. إلى ذلك دمرت شبكات وبنى تحتية في الجنوب، وتعطلت الخدمات الاقتصادية والاجتماعية، كما تواجه مصانع الجنوب تحديات بفعل تقلص اليد العاملة واختلال سلاسل التموين، مما سبب تراجع أو توقف الإنتاجية.

إنّ الفسفور الأبيض هي مادة ممنوعة في قوانين الحرب، وعند قصفه يتساقط كأسهم نارية، ويصل إلى أوراق الشجر والمزروعات وتحرقهم، وأكثر، تبقى هذه المواد في الأرض، وتبدأ الأرض تنظف من الفوسفور الأبيض إلى حدٍ ما من 4 إلى 5 سنوات، لكنها تحتاج إلى ما بين 10 و15 عاماً لتعود صالحة تماماً للزراعة، ويعود الوضع كما كان قبل الحرب، بحسب المهندس الزراعي حنا ميخائيل.

وقال ميخائيل في حديث لـ «بيروت تايم» إنّه في حال قررت الدولة تنظيف الأراضي من الفوسفور، فهذا يتطلب مبالغ تفوق ميزانية الدولة بمئات الاضعاف، فيما الأفضل انتظار تحلل هذه المادة. لكن هذه المواد لا تؤذي التربة والمزروعات فقط، بل تصل إلى المياه الجوفية، «ورغم وجود قدرة على تنظيف المياه عبر استخدام ميكروبات وأنزيمات، لكن هذا الأمر لا يجري عند تلوث المياه مباشرةً، بل يجب الانتظار كي يهدأ الفوسفور ليصبح هناك إمكانية لمعالجته» يشرح ميخائيل.

وزارعة الزراعة تعمل كل 4 سنوات على استراتيجية زراعية، وهناك خطة 2025-2030 تتضمن ميزانية كبيرة لاعادة استصلاح الأراضي الزراعية في الجنوب، بالتعاون مع المنظمات دولية ومنظمة الأغذية والزراعة الدولية (الفاو)، لكن هذه الخطة وضعت قبل الحرب، فالقطاع مهمل ومدمر منذ ما قبل الحرب.

يصف ميخائيل واقع القطاع الزراعي «متل اللي قاعد بالتخت عم ياخد ابر مورفين، وعم بصلي لمار شربل ليشفيه»، مؤكداً أنّ هناك أشخاص محترفين وكفوئين في المجال، لكن الاحتكار السياسي لحزب الله وحركة أمل على القطاع يمنع تقدمه، إذ ليس من باب الصدفة أنّ أكثرية الوزراء الزراعة هي من حصة الثنائي، وهذا ينعكس على توزيع المساعدات، حيث لا يحصل المزارعين في بشري أو زغرتا أو الكورة إلا على القليل من المساعدات، فيما باقي المساعدات تتجه إلى مزارعي الجنوب. حتى أنّ مزارعي الجنوب يعملون في زراعة التبغ لأنّها مدعومة بقرار سياسي فيما التبغ لا ينبت سوى في الجنوب وعكار، ويوم قرر الياس سكاف إلغاء الدعم عام 2002، خرج من الوزارة.

يُعرف أنّ المزارع هو من أفقر الفئات في المجتمع، يقول ميخائيل، فيما القطاع في لبنان يرتكز على الدول المانحة والفاو، وهذه المساعدات تريح الوزارة التي لا تقوم بأي مجهود لتنمية القطاع. أما المساعدات لا توزع بشكلٍ مدروس، فهي تذهب إلى الجنوب إلى ما يفوق الحاجة، فتنتهي أن تباع في السوق، ولا تستخدم لتنمية وتطوير القطاع.

كل المناطق الزراعية في لبنان مهملة، ففي وقت يمكن أن تشكل عكار نبع زراعي للبنان لكنها مهملة جداً بقرار سياسي أيضاً، ويضيف ميخائيل «أما في البقاع فهناك تجار «قلبهم قوي» دخلوا إلى المنطقة، والنقابات تعمل بشكلٍ جيد، فيما القطاع هناك مخصخص إلى حدٍ ما وهذا يعطي حجة إضافية للوزارة كي لا تعمل، فمثلاً في كل دول العالم، وزارتي الاقتصاد والزراعة تحددان بالتعاون فيما بينهما سعر القمح، أما في لبنان فنقيب مزارعي القمح، الذي نصب نفسه نقيبا، وهو يقود والمزارعين يتبعوه، فهو يشتري القمح منهم ويحدد السعر، في إطار خصخصة محتكرة». 

بعد 5 سنوات على الأزمة، لا تزال الحكومة والأحزاب الحاكمة غائبة تماماً عن أي حل جذري لإخراج البلاد من أزمتها، ويبقى إهمال القطاعات الحيوية في الاقتصاد قائمة. وفي عز الحرب، لا عمل جدي لتحديد ماهية الخسائر على المدى البعيد، فالتركيز على حجم العملة الصعبة الداخلة إلى لبنان، للقول إنّ الاحتياط يتعافى وسعر الصرف ثابت، أما الرواتب فتخسر من قيمتها، والوظائف تتقلص، والإنتاج المحلي ينازع، أما الخوف فوحده على السياحة ودولاراتها.
 

خسائر الحرب حتى حزيران 2024

 

يفصل التقرير الاقتصادي لبنك «عودة» الخسائر التي طالت القطاع السياحي بفعل الحرب، فقد انخفض عدد ركاب بنسبة 5.2 في المئة في النصف الأول من عام 2024، مقارنةً بالفترة عينها عام 2023، وبلغ مليونين و995 ألف و680 مسافر عام 2024، مقارنةً بـ 3 ملايين و160 ألف و979 مسافر في النصف الأول من عام 2023، بانخفاض نسبته 7.4 في المئة سنوياً.

فيما سجلت حركة الفنادق انخفاضاً، حيث بلغت نسبة الإشغال في كانون الثاني 2024 في الفنادق من فئتي 4 و5، 19.7 في المئة، بانخفاض 17.1 نقطة مئوية، مقارنة بالفترة عينها من عام 2023. فيما ارتفع متوسط سعر الغرفة بنسبة 187.8 في المئة، مما جعل أسعار الفنادق مرتفعة جداً، وبالتالي أثرت على عدد الحجوزات.

أما قطاع البناء فانخفض عدد عمليات الطلب المسجلة بين الربع الأخير من عام 2023 والربع الأول من عام 2024، إلى 25 ألف و251 بنسبة 25 في المئة، مقابل 34 ألف و610 عملية في الأشهر الاربعة الأخيرة من العام 2023، بحسب أرقام إدارة المساحة والسجل العقاري.

أما لناحية العرض، فقد إرتفعت رخص البناء المعطاة في الأشهر الستة الأولى من عام 2024 بنسبة 22.4 في المئة، مقارنة بالأرقام الفترة عينها من السنة السابقة. كما ارتفعت هذه المساحات في الأشهر الستة الأولى من عام 2024 إلى مليونين و440 ألف و177 متراً مربعاً، مقابل مليون و993 ألف و36 متراً مربعاً في الأشهر الستة الأولى من عام 2023.

وارتفع حجم البضائع المشحونة والمفرغة في المطار بنسبة 18 في المئة، وتراجع عدد الركاب القادمين 5.3 في المئة، بإجمالي مليون و545 الف و398 مسافر في النصف الأول من عام 2024، فيما بلغ عدد الركاب المغادرين مليون و450 ألف و282 مسافر، بانخفاض نسبته 5.2 في المئة. وقد انخفض التدفق السياحي بنسبة 14.5 في المئة.

وتراجعت عمليات الهبوط 7.4 في المئة، والإقلاع 7.3 في المئة، وتم استيراد وتفريغ 21 ألف و529 طن من البضائع في النصف الأول من هذا العام، بزيادة 40.2 في المئة، فيما تم تصدير 11 ألف و417 طن، بانخفاض 9.3 في المئة.

ارتفع حجم البضائع في المرفأ 0.8 في المئة، في الأشهر الأربعة الأولى من السنة، وارتفع عدد السفن التي رست في المرفأ بنسبة 27.8 في المئة، أما عدد الحاويات فتراجع بنسبة 6.5 في المئة على أساس سنوي.