١ ايلول ذكرى لبنان الكبير: حكايا ملهمة من التاريخ الحيّ

١ ايلول ذكرى لبنان الكبير: حكايا ملهمة من التاريخ الحيّ

  • ٠١ أيلول ٢٠٢٤

في بلادنا غالباً ما تحكى قصص الحكام والحروب والصراعات الحزبية والطائفية والتشرذم، وفي طياتها الإتهامات والإيحاء بعدم القدرة على التلاقي حتى على أبسط أمور الحياة.

لم ندرس يوماً في كتب المدرسة ومنها التاريخ عن الناس في هذه الأرض ولم نسمع قصصهم فهناك تاريخ رسمي مكتوب وتاريخ حيّ على ألسنة الناس وفي ضمائرهم، قصص فيها الكثير من العمل والتعاطف والشغف في حياة أفضل للآخرين .هذه القصص سجلها تلاميذ مدارس عن بعد  في ذكرى لبنان الكبير العام ٢٠٢٠ ضمن مشروع مدرسي وطني تابع لمؤسسة أديان تحت عنوان «قصص من عمر لبنان». وهذا بعض مما ورد من حكايا كثيرة وباللغة المحكية كما جاءت على ألسنة متحدثيها تخبر عن الأحلام والحرب المعاناة والأمل وإختفاء الأحباب والتمسك بالأرض والفخر بالإنتماء ومواجهة الصعوبات بالعزيمة والرغبة في حياة أفضل حكايا لا تشبه البشاعات اليومية تخرج من ذاكرة متحديثها مضيئة وعبرة لصنع الخير. 

شيعان علي نظام     
«الحرب بشعة، همجيّة، بتاخدلنا أحبابنا، وبتحرق الأخضر قبل اليابس. وإرادة الحياة اللّي هيّي دايمًا أقوى من كل حرب.
إسمي شيعان علي نظام، ولدت سنة 1955، وساكنة بمنطقة الرويس بالضاحية الجنوبيّة. متل كلّ الناس، مرقت علينا كتير إشيا، حلوة ومرّة. بتذكّر طفولتنا شو كانت حلوة،. ومرّت علينا إشيا مش حلوة، حروب وأحداث، خفنا فيها كتير، وتهجّرنا من منطقة لمنطقة.

في نهار ما بنساه بحياتي، كنت صبيّة عمري شي عشرين سنة، وكانت أوّل الحرب الأهليّة، بسنة الـ76 بشهر نيسان… تاريخ ما بينتسى. كنت رايحة زور بنت عمّي، ومعي خيّي الكبير اللّي كان عم يوصلّني وقلّي: نطريني لإرجع، عندي شغلة بقضيها وبرجع باخدك عا البيت.  قعدت عند بنت عمّي تسلّينا وضحكنا وانبسطنا كتير، وأني أنطر وأنطر، تأخر الوقت وما إجا خيّي. تعجّبت، ورجعت لحالي، بس وصلت شفت عجقة حدّ البيت، الناس عم تبكي، وأهلي عم يبكوا. ما استوعبت شو صاير. خبّرني جارنا إنّه خيّي استشهد، قنّصوه بالشارع، بالمنطقة محلّ ما وصّلني».

سعد الله محمود سليم
«أني سعد الله محمود سليم. من بلدة حولا قضاء مرجعيون، مواليد سنة 1956 حسب التذكرة. ساكن بـكفررمّان من أربعين سنة.
بالحرب انقصف بيتي، وتصاوبت مرتي، وخيّي ومرته، وأخت مرتي، وبنتي. بنتي الصغيرة كان يوم عيد ميلادا، وكنّا عم نجهّز لعيد الميلاد.
أنا وحدي نقلت الجرحى على بيت قريب، بيت عديلي. البنت فكّرناها ماتت، فا حطّيناها تحت ليمونة. قدّام بيت عديلي في ليمون، وصرنا نداوي ونسعف الجرحى الأربعة.

بعد حوالي نصّ ساعة، بإيدي ضوّ، بضوّي تحت الليمونة، فا بلاقي البنت عم تتحرّك. بركض بسعفا»

تريز سكر
«أنا تيريز سكّر، كان عمري 16 سنة لمّا تجوّزت. الحياة إيّام زمان كانت صعبة شوي، وجبت 9 ولاد: 5 بنات و4 صبيان. 
كل أمّ قلبا بيحسّا شو بيصير مع إبنا. مرّة، واحد من ولادي كان عندُه صديقُه اللّي كان يحبُّه كتير. وضهر هوّي وياه. وصل خبر إنُّه طلع ضرب قواص بالساحة عنّا ببشرّي، وقالولي ما في شي، الشغلة بسيطة، إبنك أخدوه عا زغرتا. ركضنا عا زغرتا وشفنا اللّي شفناه، وعرفنا إنّه إبني طلال قتلُه صديقُه.
وصارت هالناس تجي لعنّا، وكل واحد يجيب معُه خبريّة، هيدا اقتلوه، وهيدا جيبوه. قلتلُّن: بترجّاكُن، سمحولي، ما بدّي حدا يخبّرني لا منيح ولا وِحِش، كل واحد يخلّي الخبريّة بقلبُه وبيتُه. وبعدين إجوا لعندي من التلفزيون، وأنا ما بعرف شي، أنا أمّيّة، تا إمضي إسمي ما بعرف. قلتلُّن: أش بدّي خبّركُن؟ يعني هيدا اللّي صار معي كتّر خير الله، وهودي إخوة، والإخوة بالبيت بيتشارعوا. هيدا إبني وهيداك إبني. ونشكر الله أنا مسيحيّة معمّدة وبسمع القدّاس كل يوم. وأنا بسامح، من ضربك على خدّك الأيمن فدر له الأيسر، وبدنا نغفر ونسامح ونحبّ ما فينا نبادي الشرّ بالشرّ، لازم نبادي الشرّ بالمنيح.

إجوا تا يصالحونا قلتلن اهلا وسهلا هيدا بيتكن وانتو كلكن ولادي وكانو عاملين عند الجيران اجتماع بدن ياخدو بالطار (بالثأر) قلتلن لأيش الطار انا إدَمتو للعدرا إبني وكلكن ولادي كان في شي ٧٠ زلمة راح طلال معي ١٠٠ طلال»

جمال صعيدي
«إسمي جمال صعيدي، عمري 63 سنة، ومن سكان بيروت. 
ببداية الحرب الأهلية اللبنانية، كنت شارك بتظاهرات، بلّشت الحرب سنة 1975، ووقسم كبير من رفقاتي حملوا سلاح ونزلوا عالمعارك. بالبداية، أنا كمان كنت كتير متحمّس وبدّي إنزل مع رفقاتي. قالولي عيلتي: يا جمال، خود كاميرتك وصوّر رفقاتك. إنت بتصوّر، ليش بدّك تقاتل؟
بلّشت بالتصوير الصحافي وصرت صوّر رفقاتي والمقاتلين وروح معهُن بشكل دايم عا خطوط التماس. وبعدين صرت إنشرلُن صوَرُن بالجرايد.
والذروة الكبيرة كانت من سنة 1991 لسنة 2004، كنت ضل روح  صور بالعراق، وهونيك تعرّضت للخطف عا إيد ميليشيات عراقية، ورجعت عا لبنان وصار عندي انهيار عصبي كبير.
صرت اتعالج، واكتشفت إنّي لازم غيّر الصورة. فا قرّرت انتقل من الصورة اللّي كلّا دم وقتل وعنف، للطبيعة اللبنانيّة.

و عا محلّات فيها هدوء وفيها خَضار وشجر. هالشيء خلّانا إكتشف لبنان من الشمال للجنوب للبقاع والجبل. وحصيلة هالجولات، عملت كتاب عن لبنان بعيد كتير عن صوَر الحرب والدمار. وهوّي رسالة تا نشوف لبنان منيح ونشوف جمالُه»

جان كيروز
«إسمي جان سليم كيروز، مواليد سنة1931. سنة 1957 رحت عالألعاب الأولمبية بإيطاليا، شفت محطّة لقيتا كتير حلوة. قلت بدّي إعمل متلا  بالأرز. سنة 1958 اجتمعت أنا وشباب رفقاتي: أنطوان سكّر وحسيب فخري، وقلتلُّن شفت مشروع تزلّج حلو كتير بأوروبا بالنمسا، وأنا مستعد جيبُه لهون ونعمل واحد بالأرز. بدنا نجرّب هلّاء هون نعمل اتّفاق بالتعاون مع بلدية بشرّي تنركّب التلسكي. وافقوا ورحنا عالنمسا، أنا بما إنّي نزلت بالسباقات ومثلّت لبنان بإيطاليا، طلعت الـ41 على 112 متسابق، لهالسبب حبّيت إنُه ببشرّي وبالأرز نقدر نعمل محطّة نجيب الناس عالسكي بالأرز، وهيدا كان سبب مشروعنا. ونحنا متل ما بيقولوا بقرش الأرملة عملنا الخطّ الأولاني.
الأب فيليب شبيعة ألّف نادي الأرز الرياضي، وكان النادي من عناصر بعدا جديدة. أنا ربحت بطولة لبنان، وضلّ النادي 17 سنة فريق قوي، ولهيدا السبب منطقة الأرز نجحت وصار في إقبال عليها كتير، والتزلّج صار بمستوى جيّد، وكل سنة سنتين كنّا نزيد خطّ تا رجعنا طلعنا عالمستوى العالي على علو 2500 متر، ركّبنا خطّ تاني (خطّ الـpique de dame) مشان السباقات الدوليّة، لأن صار يجي سبق دولي نعملُه على المنطقة العالية تا يكون المستوى جيّد. 
ومن أهمّ الصعوبات اللّي واجهتنا، وقت الحرب الأهليّة. بلّشت الأحداث المزعجة. 15 سنة كنّا ماشيين بطريقة كتير منيحة، ووصلنا للجبل فوق، وكانت المحطّة كتير قويّة وناجحة وصارت الناس تجي عالأرز بكثافة، ولمّا صارت الأحداث وقف هالشي كلُّه بلبنان، وصارت الأحداث ببشرّي وبيروت، ووقّفنا كل شي بين ستّة وسبع سنين جمود رياضي.
خلصت الحرب، ورجع الشغل بالبلد، وفتحنا المحطّة من جديد. فريق «نادي الأرز الرياضي» فريق صار مستواه عالمي، وكنّا كل سنة نودّي من أربعة لتمان أشخاص عالنمسا ليعملوا تدريبات خاصّة مع مدربين عالميّين. وهودي عملوا نتايج حلوة بالمستوى العالمي. ولبنان شارك بعدّة مسابقات، كان لبنان يربح، وكمان وقت يجوا لعنّا وقت بطولة الأرز كان يجي كتير دول، كان فريق الأرز تبع بشري دايمًا يسجّل نتايج جيدة، ولا مرّة إلّا ما كان بالطليعة. ولهيدا السبب خلّا الجيل البشرّاني يتمرّن ويتابع التزلّج بشكل مهم.
أنا بحب السكي، بحب التزلّج بحبّ الأرز، بحب إنُه هالمنطقة تضلّا عامرة لولاد الولاد، ولا يوم تسكّر. لبنان بلد حلو، جمال طبيعة وشعب، المهم الشعب شوي يتضامن مش بغض وألم ومصريّات. المصريات ما بتعمل عالم. الاستقبال والضيافة والكرم والحبّ والعِشرة الجيدة هيّي اللّي بتخلق وطن مش الشدّ»

الأخت فيلكس خوري

«حكايتي، أنا الأخت فيليكس خوري من راهبات العائلة المقدّسة المارونيّات، هيّي عن لبنان.
أجدادنا عانوا من الحرب العالميّة الأولى سنة 1914، اللّي قسيت عليهن كتير، من قتل، جراد، فقر وجوع، ورغم هالشي تخطّوا الحرب وكمّلوا مسيرة عمرُن. كمان عانوا بالأربعينات من الحرب العالميّة التانية، وكمان بقوّة راجائُن قاموا من جديد وكمّلوا المسيرة، لحتّى إت حرب الـ1975، اللّي امتدّت تلاتين سنة.قذايف، تهديد، وقتل عالهوية «إذا مش من ديني أو من حزبي لازم تموت». حواجز تقطع المناطق عن بعضا لفترات طويلة، وكان الخطف عالهوية والطايفة. وقلّة المواد الغذائيّة الأساسيّة. انفقد البنزين والمازوت المدارس سكّرت لفترات طويلة، ووقتا ما كان في إنترنت للتدريس عن بُعد، وما كان في أيّ وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي.
لقينا وقتا حلّ، ودرّسنا سنة الـ1975 و1976 سنتين بسنة وحدة. حقّقنا أهدافنا بفضل وعي الطلاب والأهل والمدرّسين. وما فقدنا الأمل أبدًا.
وهلّاء، إجتُه الأوضاع الاقتصاديّة الموجعة، وكمان أزمة “كورونا” الصحيّة العالميّة. وعم نشوف بعيونّا مؤسّساتنا عم تنهار، وهالشي بيخلّي نسبة البطالة تزيد، وكمان بيزيد والفقر واللّجوء للهجرة.
منيأس شي؟ أكيد لاء، وشبيبتنا هنّي ولادنا وهنّي أملنا الوحيد. 

منتّكل، ع قدراتُن وبقلُّن: «تعلّموا من اللي عم تشوفوه من بؤس في مسؤولينّا، ابنوا وطن يليق فيكُن وبولادكُن، ولا تلحقوا المال والشهرة والسلطة، وحضروا حالكُن لإدارة بلدكُن بكِبَر وبكفّ نضيف. ما تخافوا، وما تيأسوا، واشتغلوا سوى تا توصلوا صوتكُن، صوت الحقّ، بطرق سلميّة حضاريّة، مش بالعنف»

المصدر:
https://alwanlubnan.com/قصص- من - عمر- لبنان