الإنتحار ببندقية «فارتر»..
الإنتحار ببندقية «فارتر»..
10 أيلول، اليوم العالمي للوقاية من الانتحار. إنّ تعبير«هل تفكّر في قتل نفسك؟»، ليس أفضل طريقة لمعرفة ما إذا كان للشخص أمامك ميول إنتحارية، أو إنّ ظروفه ستؤدّي الى قتل النفس، كذلك ممكن أن تدخل عملية الـ copy act في ظاهرة الإنتحار. ألا تذكرون رواية «آلام فارتر» للكاتب الألماني «غوته» حيث حاول البعض محاكاة أفعاله المأساوية بعد قراءتها؟
من الممكن أن نربط مصطلح تأثير فارتر werther effect، بما يحصل من تكرار لحوادث الإنتحار.
فقد عاش لبنان لحظات مفصلية خلال ثورة 2019، خرج خلالها البعض، للتعبير عن إستيائهم عبر محاولة حرق أنفسهم، والتهديد أمام الكاميرا بالإنتحار. طبعت هذه المشاهد في عقول المشاهدين، واللافت أنّ موضوع الإنتحار، أصبح مسألة متكرّرة في النقاش العام ووسائل التواصل الإجتماعي، وباتت حالات الإنتحار خاصة في السنوات الأخيرة، تعكس مأساة جماعية يعاني منها المجتمع اللبناني، ناهيك عن الأسباب الخاصة لكلّ فرد. فما مدى تأثير تغطية وسائل الإعلام لهذه الظاهرة وهل تعزّز عملية ال copyact ؟ في علم النفس، يشير هذا المصطلح، إلى التقليد الذي قد ينتج عن التعرّض المكثّف لأفعال مشابهة.
عام ١٩٧٤، خضعت العدوى الإنتحارية للدراسة ، على أيدي عالم الإجتماع الأمريكي الشهير دافيد فيلبس والأستاذ بجامعة كاليفورنيا. برهن فيليبس بإحصاءات عديدة على صحة هذه الظاهرة، مؤكّدًا على أنَّ التغطية الإعلامية الكبيرة وتكرار نشر التفاصيل الخاصة بحالات الانتحار تؤدّي إلى زيادة حالات الانتحار؛ حيث يؤدي ذلك إلى تشجيع الفئات الهشَّة والأكثر عرضة لمخاطره.
في لبنان اليوم، يؤدّي الانتشار الإعلامي الواسع لهذه الحوادث إلى خلق نوع من العدوى النفسية، حيث يعّبر الأشخاص الذين يعانون من ضغوط إقتصادية ونفسية عن يأسهم بالطريقة ذاتها، وكأنّما يرون في هذا الفعل وسيلة أخيرة لجذب الانتباه إلى معاناتهم. تشير بعض الدراسات إلى أنّ التركيز الإعلامي الزائد على هذه الأفعال قد يؤدي إلى «تأثير فارتر» ل «غوته» (Werther Effect)، الذي يشير إلى زيادة حالات الانتحار بعد تغطية حوادث انتحار بارزة.
إحصائياً، وصل عدد المنتحرين في لبنان إلى 80 حالة في نهاية شهر آب عام 2024، وكان قد سجّل في الفترة نفسها من العام الماضي، 113 حالة. يقول محمد شمس الدين، مسؤول عن الدولية للمعلومات أنّ العدد تراجع بنسبة 19%هذه السنة، أما بالعودة إلى السنوات الماضية، فقد بلغ عدد المنتحرين 174 في العام 2018 الذي سرعان ما ارتفع عام 2019 إلى 208 حالات.
إلى ذلك، تُظهر بعض البيانات أنّ معدّلات محاولات الإنتحار والوفيات الناجمة عن الإنتحار تختلف وفقًا لخصائص مثل العمر، الجنس، العرق، الإثنية، والموقع الجغرافي. وبمع أنّ الثورات والإحتجاجات الشعبية عادةً ما تكون بيئة خصبة لانتشار مشاعر اليأس والغضب، تُعرض حالات الإنتحار العلنية بشكل كبير، إذ يتولّد شعور لدى البعض بأنّ هذه الطريقة قد تكون آخر وسيلة لجذب الانتباه لقضيتهم.
في هذا الإطار، يقول المتخصّص في علم النفس العيادي سامي بيطار، أنّه لا شكّ بأنّ الضغوط النفسية -والتي من بينها الإجتماعية- عند تراكمها تصيب الفرد بالحيرة والإحباط نتيجة عجزه عن التعامل معها، وبالتالي تضحي حجر الرحى للإصابة بالاكتئاب، حيث الإنتحار يشكّل نهاية المطاف من التداعيات السلبية له، إنّما ضرورة التنويه على أنّ الإنسان المكتئب ينهشه الإحساس بالفراغ، خاصة الإنفعالي العاطفي منه، حيث أنّ هذا الفراغ يتطلب الملئ وإن كان بالأساليب الملتوية؛ فالبعض يلجأ إلى السلوكيات التعويضية والتي أبرزها الادمان بكافة اشكاله- حيث أنّ الادمان هو بمثابة انتحار بطيء-، او حتى قد يصل به الأمر لمحاولة والانتحار و الإعلان عنها بشكل هيستيري سواء أمام الملأ، أمام الكاميرا، أو من خلال الصراخ الهيستيري…وذلك محاولةً منه -على الصعيد اللاواعي- كسب الإنتباه من الآخر وجعل نفسه الشغل الشاغل للآخرين عامةً، وأسرته خاصة.
ومن جهة تأثير التغطية الإعلامية، لا ينكر بيطار أنّ تسليط الضوء إعلاميًا على موضوع الإنتحار سلّط الضوءعليه، وشكل الإنذارات الأولية له، كما أسبابه وسبل علاجه. إنّما مسألة «طرح» موضوع الانتحار، سواء في سياق الحديث أو حتى من خلال عرض مقاطع وصوَر والتي من شأنها أن تجعل فكرة الانتحار ملموسة، هي بمثابة مثير للفرد، وبطبيعة الحال، اختلاف الأفراد يولد اختلاف في التفسيرات له وبالتالي في ردود الأفعال تجاهه؛ إ كما أنّ هناك أفراد يتخذون البعد الاحترازي عند التعرف على موضوع الانتحار، يوجد في المقلب الاخر أشخاصًا وجدوا بالانتحار الوسيلة «الأمثل» للفت الانتباه، كما أنّ هناك أشخاص هم على الحياد من فكرة الانتحار.
بالنتيجة، تقليد النماذج شائع في المجتمع، حيث الـ copy act عبارة عن تقليد ما هو سيئ او جيد، تباًعاً كيف يروّج له. ويعطي الطبيب البيطار مثالا على آفة التدخين كما هو مسوّق لها في الأفلام، ونقل السلوكيات السيئة مثل إطلاق النار وقتل النفس.. ويلفت أنّه من يقوم أصلاً بتقليد الأفعال بشكل أعمى، هو شخص ضعيف لا يملك الإدراك للتمييز بين النماذج، وهو يمتلك شخصية تبعية، وينمّيها من خلال التماهي عبر التماهي بالآخرين.
وأخيراً، لمعرفة ما إذا كان الشخص يريد الإقدام على الإنتحار، يعدّد البيطار بعض الإشارات:
التحدث عن الإنتحار كالتلفّظ بعبارات مثل سأقتل نفسي أو أتمنى لو كنت ميتًا أو أتمنى لو أنني لم أُولد
الحصول على وسائل الانتحار مثل شراء بندقية أو تخزين حبوب الانتحار
الانسحاب من مواقف الاتصال الاجتماعي والرغبة في العزلة
المعاناة من التقلبات المزاجية كأن يشعر الشخص بالتفاؤل في يوم ما وبالإحباط في اليوم التالي
الهوس بفكرة الوفاة أو الموت أو العنف
الشعور اليأس بشأن موقف ما
زيادة تناول الكحوليات أو المخدرات
تغيير الروتين العادي، بما في ذلك أنماط الأكل أو النوم
القيام بأشياء مضرة أو مدمرة للنفس مثل تعاطي المخدرات أو القيادة بتهور
وداع الأشخاص كما لو انه لن يراهم ثانيةً