الكومبارس والسيّد والسِنوار

الكومبارس والسيّد والسِنوار

  • ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٤
  • جورج طوق

تحوي قائمة المؤدّين، في ثلاثيّة «سيّد الخواتم» السينمائيّة، 155 ممثّلًا وممثّلة، نالوا من الثناء والشهرة والجوائز والأجور ما يفوق التصوّر. وعلى ذمّة بعض المواقع المتابعة لأعمال السينما والتلفزيون، شارك، في الملحمة الفنّيّة نفسها، كومبارس من 20602 إنسان، ساهموا، على غرار مشاهيرها، في شبه كمال التحفة الشهيرة. هؤلاء، لا أسماء لهم ولا كلام ولا بدلات أتعاب. لا رسائل فضلٍ وصلتهم ولا جوائز تقدير. هؤلاء، لا يطفو في سيرتهم إلّا أعدادهم. وهي، إن ذُكرت، لا تأتي من بوّابة الإمتنان، بل من زاوية تمجيد القيّمين على ضخامة النتاج هذا.

«الخاتم والخشبة»
نأْلف، جميعُنا، طرافة «غِيملي» ورشاقة «ليغولاس» وقيادة «أراغورن» وعصا «غاندالف»، فيما لا نعرف إسمًا واحدًا بين كومبارسٍ تخطّى عديده العشرين ألف إنسان. وفي عالمٍ موازٍ، في ملحمتَيْ غزّة ولبنان، ليس الواقع أقلّ إجحافًا أو دراماتيكيّة. تمرّ أسماء كومبارسٍ من أكثر من خمسين ألف شهيدٍ، إلى الآن، ومئات آلاف المشرّدين والمفقودين والمصابين وملايين العالقين في فم التنّين بسرعة لائحةٍ في نهاية فيلمٍ لا يقرأها أحد. وعلى غرار ملحمة سيّد الخواتم، تشخص أبصار العالم، بتهيّبٍ واهتمام، إلى خاتم السَــيِّد وخشبة السِنوار.

«ملحميّة سقوط الأبطال»
سرّْ ما يلفّ هيبة الموت في هذا الشرق البائس. شاعريّة تُبيح المبالغة والتمجيد وتمحو المساوئ والعثرات. كلٌّ بطلٌ في قصيدة رثائه، لكنّ الشهادة في المواجهة لا تمسح للسِنوار خطيئة إغفال الإبادة والتدمير لغزّة عن حسابات طوفانه، ولا للسيّد حقيقة استجلابه الدبّ إلى كَرْمِ اللبنانيّين. لا جدالَ في هيبة الموت، ولا حول رومنطيقيّة سقوط المحارب في ساحة المعركة. لا سجالَ حول شاعريّةِ دوران خشبة السِنوار نحو مجرمي المسَيّرة. لا سجالَ، أيضًا، في بطولة أمٍّ، نقلت أولادها في غزّة، من أمانٍ إلى أمان، مئة مرّةٍ إلى مئة مكان، وفقدت منهم من فقدت وأبقت منهم أحياءَ سالمين من أبقت. لا تفانيَ يفوق شجاعة أبٍ سقط تحت دمار ضيعته في لبنان، وعلى كتفه قارورة غازٍ أو حاوية ماءٍ لعائلته. لا وفاءَ أقوى من التزامِ مراسلٍ استشهد وعدسة الكاميرا تتقدّم مُقلتيه. ليست نقّالةُ مُسعفٍ ولا ضمادةُ طبيبٍ ولا عجينةُ خبّازٍ، سقطوا بين تطاير الحديد والركام في ميدان الواجب، أقلّ ملحميّةً من خشبةٍ في يد قائدٍ سقط في المواجهة. لا كومبارس في الموت والنضال وحروب النجاة.

«الكومبارس والبطل»
قد يكون السيّد والسِنوار، في وجدان كثيرين، بطلَي الفيلم الوحيدين، لكنّ الساحق من أهل الشقاء والدماء والدموع ليس مجرّد كومبارسٍ بلا أسماء. لبطل الفيلم، من الإهتمام والتمجيد، حصّة الأسد، ولشقاء الكومبارس، على الدوام، التجاهل والنسيان. كلّ امرأةٍ لا تزال في موطنها، بعد قرنٍ من التهجير والذبح غير الحلال، هي بطلةٌ خارقة، ترمي خشبةً قاسية في وجه الإحتلال. كلّ شابٍّ لبنانيّ يقاوم، يومًا بيوم، الهجرة نحو الطبيعيّ من الدنيا، هو مقاومٌ مقدام وقائدٌ ملهمٌ وبطل. الكومبارس هو الهامش، والهامش، على مرّ التاريخ، هو حقل ألغامٍ فائق الخطورة والدمويّة والظلام والشقاء، وحياة الناس ليست هامشيّة، وأحلامهم ليست أقلّ شأنًا من خاتَم السيّد وخشبة السنوار.