الميمز: من الفكاهة إلى السياسة

الميمز: من الفكاهة إلى السياسة

  • ١٢ تشرين الثاني ٢٠٢٤
  • تيريزا كرم

كيف أثرت الميمات على المشهد اللبناني ؟

الإنترنت يلعب دوراً متزايداً في النشاط السياسي خاصة بين الشباب، من خلال مشاركة المواطنين في السياسة بواسطة أنشطة غير رسمية ورمزية وتشاركية وفي بعض الأحيان إبداعية ومتصلة رقمياً، وبالتالي هي مختلفة عن النشاط السياسي التقليدي، وتتجاوز آليات الرقابة لوسائل الإعلام التقليدية. إذ أنّ هذا المشاركة على صلة بشبكات النشطاء على وسائل التواصل وهذا ما يظهر في حركات الإحتجاج الشعبية، حيث ربطت وسائل التواصل بين المواطنين ومنحتهم صوتاً ومشاركةً في الخطاب السياسي. فمن السذاجة الإعتقاد أنّ عشرات الآلاف المشاركين في أي تحرك إحتجاجي وصلوا الى هناك نتيجة قراءة الكتب والبحث المضني ونغفل دور الشعارات البسيطة التي تردّد صداها مع تجاربهم.
 ويمكن أن تشكل الميمات أو «الميمز» لسان حال جماعي في التعبير عن القضايا التي تواجه المجتمع ووسيلة تمكّن الناس من الإستجابة السريعة للحدث المستجد.

والميمز هي ظاهرة ثقافية تجمع بين الصور، والنصوص المختصرة، والفيديوهات القصيرة، وتنتشر بسرعة بين الناس بفضل الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي. رغم أنّها غالبًا ما ترتبط بروح الدعابة. أما أصل الكلمة فيوناني وتعني «المُقلّد» والمتداول أنّها استُخدمت للمرة الأولى عام 1976 في كتاب «الجين الأناني» لعالم البيولوجيا التطورية ريتشارد دوكينز، الذي وصف الميمز بأنّها «وحدات من المعلومات الثقافية تنتقل من عقل إلى آخر بطريقة مشابهة للجينات»، مما أتاح فهمًا أعمق لكيفية انتشار الأفكار عبر المجتمعات، ومع تطور الإنترنت، أصبحت الميمز اليوم شكلاً من أشكال اللغة الرقمية.

الميمز كأداة في مواجهة الأزمات

تشير الأبحاث، الى أنّ الميمز ليست مجرد أدوات للترفيه، بل تعكس القضايا الثقافية والإجتماعية والسياسية. خلال جائحة كوفيد-19، استخدمت الميمز لتخفيف القلق الجماعي ونقل الرسائل الصحية بطرق مرحة وسهلة الفهم، مما أظهر دورها في مواجهة الأزمات بأسلوب فعال.
إضافة إلى ذلك، تُظهر قدرة كبيرة على التكيّف مع الثقافات المختلفة. يمكن لأي شخص إعادة صياغة «ميم» معين ليناسب تجربته الشخصية أو سياقًا محليًا، مما يجعلها وسيلة شديدة المرونة. وصفت مجلة (ذي اتلنتيك) الميمز بأنّها «لغة الإنترنت» التي تتطور بسرعة لتناسب العصر الرقمي، مؤدية دورًا في تشكيل النقاش العام حول مواضيع حساسة بأسلوب ساخر، وعرّفها قاموس «وبستر»بأنّها عنصر مسلٍ، وفكرة، أو أسلوب، أو سلوك يتبادله الأشخاص في إطار نمط ثقافي ما.

الميمز والسياسة: 

أما في السياق السياسي، فأظهرت دراسة أجرتها جامعة كتالونيا المفتوحة إنّ الميمز أصبحت أداة قوية للتواصل السياسي. يشير الباحث إزيكيل سوريانو إلى أنّها تُستخدم ليس فقط للتسلية، بل أيضًا لنشر رسائل سياسية.بحسب سوريانو، تلعب الميمز دورًا مركزيًا في بناء مجتمعات رقمية تعتمد على النكات الخاصة والتواصل العبثي. رغم طابعها الفكاهي، فإنّها تحمل أحيانًا مواقف سياسية متطرفة، وتُستخدم لتحقيق أهداف دعائية بأسلوب غير مباشر. وأوضح سوريانو أنّ متخصصي التواصل في الأحزاب السياسية يستغلون طبيعة الميمز لنشر رسائلهم بصورة مجهولة تظهر وكأنّها صادرة عن الجمهور وليس عن حزب سياسي معين.

كيف أثرت الميمز على المشهد اللبناني

في مقابلة خاصة مع بيروت تايم، أوضحت الدكتورة جوزيت معوض، أستاذة جامعية متخصصة في الإعلام وخبيرة تواصل، أنّ الميمز باتت تلعب دورًا محوريًا في تشكيل الفكر السياسي في لبنان. فهي تمثل مزيجًا بين النقد الساخر والتعبير السياسي بأسلوب بسيط وسهل الفهم، ما يتيح مشاركتها على نطاق واسع، خاصة بين فئة الشباب. وهي تُبسط القضايا السياسية المعقدة، مما يجعلها أداة فعالة للوصول إلى شريحة أكبر من الجمهور

وترى معوض أنّ هذه الوسيلة التعبيرية تعكس إحباط المواطنين من الأوضاع الراهنة، لكنها أشارت إلى أنّها رغم أهميتها، لا تقدم حلولًا أو بدائل فعلية للمشكلات القائمة. وتابعت قائلة: الميمز أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الثقافة السياسية في لبنان، حيث تجمع بين الفكاهة والنقد لنقل المعلومات بشكل مباشر وسريع إلى المتلقي.

الميمز كوسيلة لنقد السلطة

قدمت معوض مثالًا من الأزمة الاقتصادية التي شهدها لبنان، خاصة مع إرتفاع أسعار المحروقات، حيث انتشرت ميمز تسخر من السياسيين وتظهرهم كمسؤولين عن هذه الأزمات. وأوضحت أنّ هذه الصور الساخرة ساهمت في رفع وعي المواطنين بمظاهر الفساد والأزمات بشكل فوري. وفي بعض الأحيان، تصل الميمز إلى مستوى من الجرأة بحيث تفضح وعود السياسيين الكاذبة، مما يعزز الوعي الشعبوي ويجعل الرسائل السياسية أكثر وضوحًا.
دور الميمز في ثورة 17 تشرين والحرب الحالية، أشارت معوض إلى أنّ الميمز لعبت دورًا مهمًا في ثورة 17 تشرين، حيث ساعدت في تعزيز الزخم الشعبي، وجعلت القضية أكثر جاذبية للشباب. كما نجحت في كسر هيبة السلطة وكشف ضعف النخب السياسية في تلبية مطالب المواطنين.

أما في سياق الحرب الحالية بين لبنان وإسرائيل، فقد سلطت الميمز الضوء على التباين في مواقف المواطنين بين دعم الحزب وانتقاده، مما يعكس التعقيدات المتزايدة في المواقف الشعبية.

وعن عوامل تأثير الميمز في السياسة، ترى معوض أنّ للميمز تأثيرًا كبيرًا بفضل قدرتها على تحويل مشاعر الإحباط إلى غضب، بأسلوب فكاهي وجذاب، مما يجعل الرسائل السياسية أكثر قبولًا وسهلة التداول. كما أنّها تتميز بسهولة إنتاجها وانتشارها.

الميمز كأداة للنقاش البناء

رغم النقد الموجه للميمز، شددت معوض على إمكانية استخدامها بشكل إيجابي لتحفيز النقاش السياسي البنّاء. وقالت: «يمكن تصميم ميمز تقدم تساؤلات وتطرح معلومات واقعية تدعم التفكير النقدي، مما يعزز التوعية بالقضايا السياسية الهامة ويشجع على الإنخراط في النقاشات المجتمعية. وأنّ ما يميز الميمز قدرتها على تجاوز الثقافات والحواجز المختلفة، من خلال أسلوبها الفكاهي والذكي في نقل الرسائل، ما يجعلها أداة فعالة في المشهد السياسي اللبناني.

إعادة تشكيل التواصل

وصفت دراسة أخرى الميمز بأنّها وسيلة تعيد التفكير في كيفية إنتاج الفن، التواصل، الأدب، والسياسة. ويرى سوريانو أنّ الميمز ليست مجرد صور فكاهية، بل هي أشكال تفاعل رقمي تتيح للأفراد التعبير عن آرائهم والتواصل بطرق مبتكرة. تتميز الميمز بسرعة انتشارها وطبيعتها العابرة، مما يجعلها أداة قوية للمشاركة الديمقراطية في إنتاج المحتوى الثقافي.

إنعكاس لنظرة المجتمع تجاه الأحداث

وتشير أبحاث جامعة كتالونيا المفتوحة، أنّه أصبح بالإمكان فهم الميمز كظاهرة تعكس الطبيعة التفاعلية للإنترنت وأشكال الإتصال الجديدة. في ظل انتشار الأخبار الزائفة كأداة للتلاعب، خاصة خلال الإنتخابات، ورغم طابعها الفيروسي المؤقت، تعكس سياقات ثقافية وإجتماعية كأن يشعر المستخدمون أنّ باستطاعتهم نشر الوعي حول القضايا التي تثير إهتمامهم، فيبادرون الى إنشاء ومشاركة الميمات لتعزيز المناقشة أو التأثير أو الإقناع. علاوة على ذلك، إنّ  استخدام الميمات مدفوع أيضًا بشعور الهوية والتضامن كون الميمات تعبير عن مرجعية إعلامية منتقاة بشكل جماعي، وعنصر من عناصر الديموقراطية الشعبية، إذ ليس هناك «ميم» واحد أنشأته أي حكومة أو أي سلطة رسمية. 

تتعدى الميمز كونها مجرد صور مضحكة؛ فهي أدوات ثقافية تعيد تشكيل الطريقة التي نتواصل بها مهما كان شكلها، إذا أخذنا بعين الإعتبار أنّ الأحداث عبر الإنترنت هي جزء من الحياة الواقعية. سواء كان ذلك من خلال الترفيه أو التعبير عن قضايا أكثر جدية، وتثبت الميمز أنّها لغة عالمية جديدة، ومع ذلك، تبقى محدودية الميمز السياسية، فنظرًا لبساطتها، قد تُقدم معلومات سطحية أوخاطئة أو مُضللة، وتُستخدم للتلاعب بالجماهير نظراً لسهولة المحتوى وعدم إمكانية التحقّق منه، وتُبسّط القضايا المعقدة بشكل مُفرط وتقع في الممارسات الإقصائية للرأي الآخر، مما قد يُعيق الفهم الحقيقي للوقائع ويُشجع على النشاط السياسي السطحي والكسول للجماهير الباحثة عن إجابات سهلة، إنّما هذا لا ينفي أنّها في إطار آخر عامل مساهم في التحفيز والداعم للحركات الإجتماعية والسياسية

 


المصادر:
1. Dawkins, Richard. The Selfish Gene. 1976
2. What is a Meme? – Know Your Meme
3. The Psychology of Memes – Psychology Today
4. The Internet’s Meme Culture – The Atlantic.
5. Soriano, Ezequiel. Un Political Compass de los estudios sobre memes. Teknokultura.