مانشستر سيتي وغوارديولا... بين ظِلال الأزمة وأضواء الأمل
مانشستر سيتي وغوارديولا... بين ظِلال الأزمة وأضواء الأمل
هل ينهض مانشستر سيتي مجدّدًا ليواصل كتابته للتّاريخ؟ أم أنّ هذه التّحدّيات ستترك ندوبًا أعمق مما يظن البعض؟ ما هو مؤكد أن الجماهير لن تتوقف عن الحلم، ولن يتوقف غوارديولا عن البحث عن الحل. وفي تلك المسيرة، يكمن جوهر كرة القدم: النضال المستمر من أجل المجد.
مانشستر سيتي، الفريق الذي أصبح أيقونةً للسيطرة الكروية في إنكلترا وأوروبا خلال العقد الأخير، يعيش فترة أثارت تساؤلات بين المحلّلين والجماهير حول ما إذا كان يعاني من أزمة أم يمر بمرحلة تراجع موقتة.
الأيام المقبلة ستكشف الحقيقة. هل ينهض مانشستر سيتي مجدّدًا ليواصل كتابته للتّاريخ؟ أم أنّ هذه التّحدّيات ستترك ندوبًا أعمق مما يظن البعض؟ ما هو مؤكد أن الجماهير لن تتوقف عن الحلم، ولن يتوقف غوارديولا عن البحث عن الحل. وفي تلك المسيرة، يكمن جوهر كرة القدم: النضال المستمر من أجل المجد.
على أرض ملعب الاتحاد، جلس بيب غوارديولا يراقب بعينيه الحادّتين حركة اللاعبين على المستطيل الأخضر. كان ذهنه يغرق في دوامة من التساؤلات. هل بدأ الفريق يفقد تلك الهيبة التي صنعها بجهد السنوات؟
على مدى عقد من الزمن، كان مانشستر سيتي أكثر من مجرّد فريق؛ كان إمبراطورية حديثة تبني أمجادها بهدوء وثقة، مدعومة بخطط محكمة ولاعبين موهوبين. لكن اليوم، تسلّلت شقوق صغيرة إلى جدران هذه الإمبراطورية. النّتائج غير المستقرّة بدأت تتحدث بصوت أعلى من الإنجازات. الخسائر المفاجئة والهزائم الثقيلة جعلت الجماهير تتساءل: هل نحن في أزمة؟
لم تكن المشكلة في المهارات أو القدرات، فمانشستر سيتي يضم بين صفوفه لاعبين يُعتبرون الأفضل في العالم. إرلينغ هالاند، ماكينة الأهداف، وكيفن دي بروين، العقل المدبّر في منتصف الميدان. لكن حتى هذه الأسماء اللّامعة بدت في بعض المباريات وكأنها تسير ببطء تحت وطأة الضّغوط.
الأزمات ليست دائمًا أرقامًا أو نتائج، بل هي شعور جماعي بالخوف من الانحدار. إصابات متوالية ضربت الفريق، وأرهقت العناصر الأساسية، في حين أن غوارديولا، ذلك الرجل الذي يُجيد تحويل الصعوبات إلى فرص، وجد نفسه أمام تحدّيات تكتيكيّة شائكة. التجارب الجديدة لم تؤتِ ثمارها كما اعتاد، وجمال الكرة التي يقدّمها الفريق بدا وكأنه فقد بعضًا من بريقه.
في المقابل، كانت المدرجات تضج بالتشجيع، مزيج من الوفاء والقلق، فالمدن العظيمة تعرف أن الفخر يُبنى على القدرة على الصمود، حتى في أصعب الأوقات. كان هناك إيمان بأن غوارديولا، بعقله التّحليلي وروحه الطموحة، قادر على إعادة ترتيب القطع المتناثرة وإعادة تشكيل الصورة.
تحدث غوارديولا: "نحن لسنا في أزمة، نحن فقط بحاجة إلى الوقت. التحدّيات هي ما يصنع الفرق الكبيرة". لم يكن هذا مجرد تصريح للاستهلاك الإعلامي، بل كان وعدًا مغلّفًا بالحقيقة.
مانشستر سيتي حامل لقب الدوري الإنكليزي، فاز في مباراة واحدة فقط من آخر 11 لقاء خاضها في كل المسابقات، في ظلّ معاناته من غيابات مؤثّرة بداعي الإصابات.
وألقى غوارديولا الضوء على حقيقة أنه بينما يحقّق حاليًّا نتائج سيئة على مدار 40 إلى 45 يومًا، فإنه "قد قدم 8 سنوات من النجاح".
وأضاف غوارديولا: "أعيش مع اللحظات الجيدة ومع اللحظات السيئة، لقد مررت بلحظات سيئة من قبل في مسيرتي كمدرب، وكنّا قادرين دائمًا على تغييرها، الآن يستغرق الأمر وقتا أطول".
وأوضح: "أنا أتعلم من هذا، لقد مررت بـ40 يومًا من النتائج السيئة، هذه هي الحقيقة، خاصة إذا قارنتها بالسنوات الـ8 الماضية، لقد كانت هناك 8 سنوات من النجاح والنتائج المذهلة، والآن لدينا 40-45 يومًا سيّئًا".
وأضاف: "إذا خسرت 6 مباريات، عليك النهوض في 7، أنا بخير لأنني شخص عادي لديه مشاعر، مثل البقيّة. عندما تسير الأمور على ما يرام، نكون أفضل، وعندما لا تكون كذلك، نركّز أكثر على ما يتعيّن علينا القيام به".
وأشار غوارديولا إلى أنه لا يتوقّع أي رحيل للّاعبين في الميركاتو الشّتوي، لكنه لم يتطرّق للحديث عن عمليات ضم لاعبين جدد بشكل محتمل في يناير/كانون الثاني المقبل.
وأوضح: "ما أريده هو عودة لاعبي فريقي من الإصابات التي ألمّت بهم، أعتقد أن الفريق جيد حقًّا، لقد فقدنا لاعبين مهمين لفتراتٍ طويلة، لكن ما أريده هو عودة لاعبي فريقي وبعد يناير/كانون الثاني والصّيف سوف نرى ما يجب القيام به وما هو الأفضل للفريق".
في نهاية المطاف، مانشستر سيتي ليس فريقًا ينهار بسهولة. إنه كالشجرة العتيقة، قد تتأرجح تحت عواصف الموسم، لكنها تمتلك جذورًا تمتد عميقًا في أرض الإصرار. الأزمة، إن كانت موجودة، ليست سوى محطّة في طريق العودة إلى القمة.
الأزمة في سطور
واجه مانشستر سيتي سلسلة من النتائج التي لا تعكس الأداء الذي اعتاد الفريق تقديمه:
* الدوري الإنكليزي الممتاز: تعرض الفريق لهزائم غير متوقّعة أمام منافسين أقل قوّة، ما أدى إلى فقدان نقاط ثمينة في سباق اللقب مع أندية مثل أرسنال وليفربول.
* دوري الأبطال: على الرّغم من تألّقه في بعض المباريات، إلّا أنّ خسارة ثقيلة أمام فرق مثل سبورتينغ لشبونة أثارت مخاوف حول استقراره في البطولة الأهم أوروبيًا.
* المسابقات المحلّية: خروج مبكر من كأس الرابطة الإنكليزية أمام توتنهام وضع الفريق في موقف محرج وأثار تساؤلات عن عمق التشكيلة.
الإصابات والتحدّيات
* أحد أبرز الأسباب التي قد تكون وراء هذه النتائج هو الإصابات المؤثرة في صفوف الفريق، خصوصًا في خط الدّفاع. فقد افتقد الفريق جهود لاعبين محوريّين مثل روبن دياز وجون ستونز لفترات طويلة. كما أن الإرهاق البدني لبعض اللاعبين بسبب ضغط المباريات كان له تأثير سلبي في الأداء.
* الاعتماد المفرط على بعض اللاعبين: الاعتماد على كيفن دي بروين وإرلينغ هالاند لتسجيل وصناعة الأهداف أثار تساؤلات حول دور اللاعبين الآخرين.
* التجارب التكتيكيّة: غوارديولا اشتهر بإجراء تغييرات تكتيكيّة جذريّة في المباريات المهمّة، لكن هذه التعديلات أحيانًا تأتي بنتائج عكسية، كما رأينا في بعض المباريات الأوروبيّة.
إيجابيات وسط العاصفة
على الرّغم من كل ما سبق، لا يمكن اعتبار سيتي في أزمة حقيقيّة للأسباب التالية:
* الخبرة والجودة: الفريق يضم لاعبين ذوي خبرة مثل كيفن دي بروين وبرناردو سيلفا، قادرين على استعادة التّوازن في أي وقت.
* إدارة متميزة: غوارديولا لديه القدرة على إعادة تشكيل الفريق والعمل على تحسين الأداء كما فعل في فترات صعبة سابقة.
* الوقت مُتاح: لا يزال الموسم في مراحله المتوسطة، مما يمنح الفريق فرصة للعودة بقوة في السباقات المحلية والأوروبية.
هل الأزمة حقيقيّة؟
"الأزمة" كلمة تحمل دلالات ثقيلة، وربما تكون مبالغًا فيها في سياق الحديث عن سيتي. ما يمرّ به الفريق هو تحدٍّ طبيعي لأي فريق كبير ينافس على جميع الجبهات.
مانشستر سيتي يمرّ بفترة صعبة، لكنها ليست كارثيّة. التحدّي الأكبر يكمن في قدرة غوارديولا على التّعامل مع الضّغوط وإعادة الفريق إلى مسار الانتصارات. بالنّظر إلى تاريخ النادي الحديث، فإن تجاوز هذه المرحلة يبدو أكثر من ممكن، خاصة مع ما يملكه الفريق من موارد وخبرات.