عام كامل من «السحاسيح»
عام كامل من «السحاسيح»
وإن كان لا بدّ من اختصار عام 2024 على «محور الممانعة» بكلمة واحدة، يكون «السحسوح» هو هذا التعبير الأكثر إصابة. فقد تعرض «المحور» لهزائم متتالية أردته وهناً ضعيفاً قليل الحركة، لا بل أعرجاً بالكاد يقوى على الحركة.
في أدبياتنا اللبنانية الشعبية، كلمة تختصر الكثير من معاني الهزيمة والتراجع. «السحسوح»، وهو الضربة التي قد تتلقاها على الرقبة، بين أعلى الظهر وأسفل الرأس، تعني أيضاً، بمعناها المجازي، تعرضك لصفعة تهزمك معنوياً.
وإن كان لا بدّ من اختصار عام 2024 على «محور الممانعة» بكلمة واحدة، يكون «السحسوح» هو هذا التعبير الأكثر إصابة. فقد تعرض «المحور» لهزائم متتالية أردته وهناً ضعيفاً قليل الحركة، لا بل أعرجاً بالكاد يقوى على الحركة.
بدأ العام الفائت باستعار الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، وانتهى الأمر بتسوية مذلة للحزب ووقف إطلاق للنار يُجبره على ترك جنوب الليطاني وعلى تفكيك بنيته العسكرية شمال النهر. أما الجانب الإسرائيلي، فقد ضمن لنفسه حرية الحركة العسكرية ضد الحزب ساعة يشاء، بعد توقيعه على اتفاق جانبي مع الولايات المتحدة الأميركية عُرف باتفاق الضمانات الأميركية.
«السحسوح» الذي تعرّض له الحزب لم يكن في الإتفاق النهائي وحسب، إنّما بخسائره الجمّة خلال الحرب. «سحسوح» وراء آخر، بدا الحزب منظمة مخروقة حتى العظم ومقاومة لم تصنع أي مفاجأة في الميدان. خسر الحزب أغلى ما يملك؛ أمينه العام حسن نصرالله، وأمينه الجديد هاشم صفي الدين، وخليفتهما المحتمل الشيخ نبيل قاووق. خسر الحزب كذلك عشرات الآلاف من مقاتليه ومسؤوليه ورجال دينه، أكان بتفجيرات أجهزة «البايجر» أو اللاسلكي، أم في الجنوب اللبناني وتحت مباني وركام الضاحية الجنوبية وبعلبك والنبطية وبنت جبيل وصور وغيرها.
«السحسوح» الآخر كان في خسارة الحزب لمخزونه من الصواريخ البعيدة المدى. بدا الحزب الذي توعّد لسنوات طويلة إسرائيل بآلاف الصواريخ القادمة صوب مدنه، منظمة ضعيفة لا تملك إلا مئات الصواريخ ليطلقها والتي غالباً لم تدمر شيئاً يُذكر في إسرائيل.
عدا ذلك، كان التخلي الإيراني عن نصرة «حزب الله» هو «السحسوح» الأهم، الذي تركه في قلب المعركة دون نصير أو دعم، مكتفياً ببعض البيانات والخطابات على منابر الجمهورية الإسلامية التي لا تقدم ولا تؤخر.
كذلك الأمر، فقد الحزب خط إمداده من سوريا إلى لبنان، بعدما فقد «محور الممانعة» السيطرة على سوريا، وهرولة جنود الحزب وضباط النظام السوري القديم إلى لبنان ودول الجوار. يسيطر على خط الإمداد، اليوم، أحمد الشرع ورجاله ومن خلفهم تركيا، كما على منطقة القصير والقلمون التي دفع «حزب الله» مئات القتلى للسيطرة عليها. انتهى خط الإمداد وتبدّد بعشرة أيام، وسقط ركن آخر من «محور الممانعة» بشكل مدوٍ وسريع.
أما إسرائيل، فدمرت، في يومين، كل ما تبقى من ترسانة النظام السوري، من طائرات وآليات ثقيلة وبحرية ومطارات ومراكز تصنيع الصواريخ، فأفنت كل السلاح الذي قدّمه الجانب الإيراني لسوريا وجعلته خردة غير قابلة للاستخدام.
في قطاع غزة، قُتل أغلب قادة «حركة حماس» وباتت من الماضي. لم يبقَ أحد ذي أهمية لذكره. دمرت أغلب منظمة «حماس» وكذلك قطاع غزة. حتى إيران التي زودتها بالأسلحة، لم تعُد تكترث لأمرها ولا عادت لاعباً حقيقياً في مسألة مستقبل «حماس» أو حتى مستقبل قطاع غزة.
أما بقية أركان «محور الممانعة» فلا تزال تتلقى «السحاسيح» تلو الأخرى. «حوثيو» اليمن يتلقون اليوم الضربة تلو الأخرى من جانب أميركا وبريطانيا حيناً وإسرائيل أحياناً أخرى. أما العراق، فكانت قواه السياسية والعسكرية أكثر فطنة من بقية أركان «المحور»، فحيّدت نفسها عن كل هذه الحرب، مكتفية بالدعم المعنوي والإغاثي لمن احتاجه.
عام 2024 ودع رجال «محور الممانعة» شخصياته. بشار الأسد حطّ رحاله لاجئاً في موسكو، فيما بات حسن نصرالله تحت التراب. جيش النظام السوري بات عصابات محلولة وهاربة خائفة من أن يلقي القبض عليها أي مقاتل سوري عادي أو أي وشاية من مواطن عادي يبحث عن ثأر خاص. أما جمهور «حزب الله» وجيشه، فيعيشون حالة «تروما» من دون أن يتمكنوا من الاقتناع بعد، أنّ فائض القوة انقلب إلى الضعف، وأنّ الهزيمة قد حلّت و«السحاسيح» علّمت بشدّة على رقابهم.
كل ذلك حدث عام 2024، وقد كانت سنة ستؤرَخ بأنّها غيّرت وجه المنطقة. كل ذلك ولم يستلم «دونالد ترامب» السلطة في البيت الأبيض بعد، ولم يبدأ بتسوية حسابه القديم مع إيران بذاتها. إن كانت «سحاسيح» إسرائيل قوية ودموية، فتلك الأميركية يمكنها أن تكون قاتلة.
المهم، أن يخرج من «زمط» من «السحاسيح» معافى، وقادراً على تقبّل واقعه الجديد، ولديه نية، ولو بسيطة، لبناء دول طبيعية تتعايش فيها الجماعات والتيارات السياسية والفكرية بمساواة وعدالة. من يدري، قد تكون هزيمة «المحور» عام 2024 والعام الذي يليه خبراً جيداً لشعوب هذه المنطقة، وخطوة إيجابية لصياغة حكم فيها يأخذ من الإنسان وأمنه ورقيه هدفاً له، لا من قتال إسرائيل غاية له ولدوام بقائه.