الضبع المُخطَّط.. السياسة اللبنانية والتكيّف مع الإنهيار

الضبع المُخطَّط.. السياسة اللبنانية والتكيّف مع الإنهيار

  • ٢٨ كانون الأول ٢٠٢٥
  • جو حمّورة

دولة تشبه الضبع حين يتجمد أمام فريسة لم يمتلك قرار قتلها، ولا شجاعة الإبتعاد عنها. فتختار الإنتظار.

 في الطبيعة، الضبع المُخطَّط ليس وحشاً ولا قائد قطيع. هو كائن يعرف كيف يعيش حين ينهار التوازن من حوله. لا يغير البيئة، بل يتكيّف معها. لا يصطدم بالقوة الأكبر، بل يلتف عليها. وهذه، بحذافيرها، هي القاعدة غير المعلنة التي تحكم السياسة اللبنانية اليوم.

ليس صدفة ربما أن يكون الضبع المُخطَّط الحيوان الرسمي للبنان. فالسياسة هنا لم تعد مشروع بناء، بل مدرسة تكيّف مع ما حولنا. دولة تتصرف كما لو أنّ الأزمة حالة دائمة، والسلاح واقع لا يُمسّ، والانهيار مساحة تحتاج للإدارة وليس للمواجهة.
في سلوك الضبع، هناك درس سياسي واضح، حين يواجه خطراً أكبر منه، ينسحب خطوة إلى الوراء، يترك ما يمكن تركه، ويتمسك بما يضمن له البقاء. هذا ما نراه اليوم في ملف سلاح «حزب الله». تسليم السلاح جنوب الليطاني حصل، لا لأنّ القناعة تغيرت، بل لأنّ ميزان القوة والضغط فرض ذلك. أما شمال النهر، فالقصة مختلفة. هناك، يبدأ مجال التكيّف لا التنازل.
الدولة اللبنانية تقف حائرة أمام هذا المشهد. لا تتصادم معه، ولا قدرة لها على الحسم، كما أنّها لا تملك تصوراً لكيفية حل هذا الواقع ضمن منطق سيادي واضح. هي دولة تشبه الضبع حين يتجمد أمام فريسة لم يمتلك قرار قتلها، ولا شجاعة الابتعاد عنها. فتختار الانتظار.
عملياً، السياسة اللبنانية لا تسأل كيف نبني دولة بقرار واحد؟ بل تسأل: كيف ندير التعايش مع قرارين من دون انفجار؟ وهذا المنطق لا يقتصر على السلاح. هو نفسه الذي يحكم مشروع قانون الفجوة المالية أيضاً.
 قانون يعترف بجزء من الخسائر، ويؤجل الجزء الآخر، ويُرضي ميزان القوى بدل ميزان العدالة. ليس مشروع قانون عظيم رغم شجاعته، لكنه بالتأكيد قانون للتكيّف مع الواقع. وكما الضبع، لا يسأل عن الجريمة وأسبابها، بل ينظم استهلاكها. مشروع قانون هو فكرة لتحسين شروط العيش داخل الانهيار، وليس إنهاء الإنهيار.
أما قانون الإنتخابات، فهو التعبير الأدق عن هذه العقلية. قانون لا يحسم، لا يُغيّر، ولا يكسر البنية أو المنظومة أو النظام أو أي تعبير آخر من هذا القبيل. يسمح بإعادة إنتاج الطبقة نفسها، بقليل من التجميل وكثير من الانتظار. انتخابات بلا مواجهة حقيقية، ولا مشاريع أو أفكار. النواب كما الضباع لا يحتاجون إلى نظام عادل، بل إلى نظام يسمح لهم بالبقاء.
المشكلة حتماً ليست في الضبع، بل في تحويل سلوكه إلى فلسفة حكم. دولة لا تُقرر، بل تتكيّف. سياسة لا تواجه، بل تُراكم. قوانين لا تُنقذ، بل تُدير الخراب. هذا ليس فشلاً عشوائياً، بل نظام متكامل لإدارة الانهيار.
الضبع المُخطَّط، كرمز وطني، لا يخطئ العنوان، لبنان اليوم لا يحكمه مشروع دولة، بل منطق بقاء. والانتخابات المقبلة ليست معركة تغيير، بل اختبار، هل نريد أسُد تُنهي جيفة الدول؟ أم سنكتفي بضباع أكثر مهارة في تقاسمها؟