غزّة: حيث تعِب السفّاح

غزّة: حيث تعِب السفّاح

  • ١٦ كانون الثاني ٢٠٢٥
  • جورج طوق

صحيح أنّ السفّاحَ هو نفسُه، في لبنان وغزّة، ولكنّ توصيف إتّفاق لبنان «مثيلاً» لإتّفاق غزّة، فيه ظلم للأخير، أو حتّى مهانة له.

على مشارف إنقضاء مهلة الستّين يومٍ، لمثيله في لبنان، دخل إتّفاق وقف النار، في غزّة، حيّز التنفيذ. صحيحٌ أنّ السفّاحَ هو نفسه، في لبنان وغزّة، ولكنّ توصيف إتّفاق لبنان «مثيلاً» لإتّفاق غزّة، فيه ظلم للأخير، أو حتّى مهانة له. علانيّة وندّية، في إتّفاق غزّة، غابتا، تمامًا، عن إتّفاق لبنان. فبنود وقف النار، في غزّة، غزت وسائل الإعلام، قبل سريان مفاعيله، فيما يبقى الصندوق الأسود لنصّ إتّفاق لبنان، تائهًا في غياهب الغموض والخداع والبازار السياسيّ.

«مثلّث النون»
هناك في غـزّة، حيث شارفت الذبائح على الفناء، وأُبعدت الطبابة عن كلّ جرح، وأُقفل الذهاب والإيّاب في كلّ اتّجاه، ونفذ الأمان في كلّ الأمكنة، وقُتل القادة في كلّ الصفوف. هناك، حيث انتهت حياة من قُتل، وبُترت أطراف من نجا. هناك، حيث خُلط ما تبقّى من هواء بالسموم والدخان وما بقي من ماء وتراب بالدماء والفسفور. هناك، حيث حُرقت حدائق المدارس وبساتين الليمون والزيتون، إلّا أنّ بنود وقف النار أخذت من كبرياء إسرائيل بقدر ما فعلته من كرامة فلسطين. فهناك، حيث تعب السفّاح، لا نجيب ينتحب ولا نعيم يكابر ولا نبيه يُفاصل من قريب، ولا حارس ثوريّ يقامر من بعيد. هناك، حيث أهل عزّة أدرى بشعابها، شروط وشروط مقابلة لطرفيّ الإتفاق، وموجبات عليهما. أمّا هنا، حيث اختفى إتّفاق الذلّ في مثلّث النون، جاء وقف النار باتّفاق غامض مذلّ أحاديّ الجانب والشروط، على شاكلة مهانة الإستسلام في فرساي.

«إســـــتراحة غـــــزّة»
إستراحة مستحقّة للغزّاويّين، بعد نيّف وعام انتُهكت فيها كلّ الأعراف والقوانين والمواثيق القانونيّة والأخلاقيّة والإنسانيّة. يشدّد إتّفاق وقف النار بين حماس والعدوّ على واجب العالم أجمع في ضمان تأمين مستلزمات الدفاع المدني والأجسام الطبّية ومؤن الغذاء والدواء والمشرب. خطوط مرسومة لانسحاب الغزاة. آليّات مفصّلة وشريط زمنيّ لفكّ أسْر معتقَلي الجانبين، وجداول بالفئات العمريّة والجندريّة والمهنيّة، وأخرى تفصل بين مدنيٍّ وعسكريّ. احتفالات بين ما تبقّى من معالم غزّة لمن تبقّوا فيها. أفراح كثيرة فوق الكثير من الآلام والجراح. دموع لا يعلم، إلّا ذارفها، ما إذا كانت فرحًا أم تَرحًا، وابتسامات بالكاد ترتسم. التقاط، كاد يفوت أوانه، لأنفاس على شفير الإختناق. في غزّة، حيث تعب السفّاح وانحاز العالم لغير الحقّ، آلة حرب عصيّة على الردع وإرادة شعب عصيّة على الكسر. فعسى أن يأتي القادم بالهناء.