ترامب رئيساً.. عدو «المنظومة» وخصم الجميع

ترامب رئيساً.. عدو «المنظومة» وخصم الجميع

  • ٢٠ كانون الثاني ٢٠٢٥
  • جو حمّورة

يبدو أنّ رئاسة ترامب ليست مجرد حقبة سياسية عابرة، بل هي تحوّل جذري في مسار الولايات المتحدة. إنّها مرحلة تحاول كسر ما يعتبره ترامب «القيود» التي فرضتها النخبة السياسية والإقتصادية طوال العقود الماضية.

ما عادت تصرفات دونالد ترامب تصدم أحداً، فالرئيس الجديد للولايات المتحدة مختلف، مميّز وغير عادي، دون أن يعني ذلك أنّه إستثنائي بالمعنى الإيجابي للكلمة. فقد دخل إلى البيت الأبيض حاملاً معه نهجاً غير مألوف في تعاطي السياسة، متخلياً عن البروتوكولات المعتادة والخطابات الدبلوماسية الرصينة التي طالما ميّزت رؤساء الولايات المتحدة. هو عدائي جداً مع خصومه الداخليين منهم والخارجيين، ولا يكترث البتة لشرف المعركة وقيم التعارك ولا بقية التعابير الأدبية المنمقة، بل يكترث للنتيجة فقط ولتدمير خصومه الكُثر.

يُشبه ترامب الملاكم الباحث عن فوز سريع. هو ملاكم لأنّه عدائي وهجومي، ويكترث فقط للنتيجة. يريد اليوم ضم كندا إلى بلاده، وجزيرة غرينلاند الضخمة التابعة للدنمارك، كما قناة بنما الاستراتيجية. أي رئيس أميركي تجرأ على الكلام في هذا الأمر؟ وحده ترامب صريح أكثر من اللازم في التعبير عن أهدافه وما يريد تحقيقه «بضربة قاضية» في ولايته الرئاسية الجديدة.

هو بمثابة مغني راب أيضاً. هذا الفن القائم على السرعة، الحركية واستخدام التعابير السوقية أحياناً. لا يتحمّل مغني الراب نتائج أفعاله غالباً، بل يظن أنّ سلاحه الكلمة الجارحة التي تفيد في خلق هالة من حوله. وترامب، هو بالفعل هكذا؛ لا يتحمل نتائج تصرفاته أو أقواله، ويظل ينكر ما قاله في هذا المؤتمر الصحفي أو ذاك، حتى النهاية.

قوة ترامب وميزته أنّه أميركي ناجح من خارج المنظومة (Establishment) القائمة. والمنظومة تعني، في السياق الأميركي، النخبة التي تسيطر على أميركا، فيما ترامب يأتي من خارجها من أجل تقويضها. لا هو كثير التحزّب ولا هو سياسي أو رجل أعمال تقليدي يؤمن بأهمية الدولة والحدود والقانون وبقاء الأمور على حالها. إنّما، على العكس، يؤمن ويعمل لتقويض المنظومة وفتح السوق للإبداع والربح والمخاطرة.

أما أعداء ترامب فكُثر، ولهؤلاء أربع سنوات عجاف قادمة عليهم. عدوه الأول هو المنظومة التي سعى سابقاُ وسيسعى الآن إلى بتر ساقها. مجموعات الضغط، الشبكات الإعلامية المحلية، كما مسؤولو الأحزاب والإداريون والقضاة الكبار هم أعداؤه. هؤلاء جلّهم يريدون بقاء «الستاتيكو» على دوام حاله، فتبقى لهم القدرة على التأثير والحركة في عالم السياسة والمال. أما ترامب، فنقيض هؤلاء، وسيسعى إلى إضعافهم بكل ما يملك، وهذا أمر عبّر عنه عشرات المرات في خطاباته ومشاريعه وأعماله.

العدو الثاني هم الليبراليون، من هؤلاء المؤمنون بحركة «الوكيسم» (Wokeism) العاملة على إنهاء الفروقات بين الرجل والمرأة، واعتبار أنّ جنس الإنسان هو «مركب إجتماعي» (Socially Constructed) ويمكن تغييره. هؤلاء يؤمنون بالإجهاض وبتغيير الجنس وبالإلحاد وكل ما يتفرع عنها من أفكار ليبرالية متطرفة. ترامب سيقوّض نفوذ هؤلاء ويعيد الساعة إلى الوراء ويلغي كل ما حققته «الوكيسم» من قدرة واعتراف في الولايات المتحدة وكندا.

أما العدو الثالث فهو الإعلام السائد والتقليدي (Mainstream Media) من شبكات إعلامية تؤيّد الحزب الديمقراطي المعادي لترامب. يمكن لرئيس الجمهورية الجديد أن يقوّض هؤلاء وسردياتهم القائمة، ليس بالإغلاق أو المنع أو السطوة، إنّما بتعزيز بدائلهم من الإعلام غير التقليدي. من هنا، يأتي دور الثنائي مالك موقع «X» الملياردير إيلون ماسك والإعلامي الأميركي الأشهر جو روغان، وهما بمنصاتهما وحضورهما الإلكتروني أقوى بكثير من الإعلام التقليدي حالياً حتى.

بعيداً عن الداخل الأميركي، لترامب أربعة خصوم خارجيين يريد الانقضاض عليهم. الأول هو الصين، وما تفرضه من علاقات اقتصادية وتجارية لا يراها ترامب منصفة بحق بلاده. هذا التخاصم المرتقب سيؤثر حتماً على الأسواق العالمية، طالما أنّ إنتاج كل من الولايات المتحدة والصين يمثل معاً حوالى نصف إنتاج الكوكب.

أما روسيا والإتحاد الأوروبي، فحسابهما عسير معاً. يريد ترامب من الأولى أن تتخلى عن طموحاتها الإمبراطورية، والعودة إلى أن تكون مجرد دولة إقليمية لا لاعباً دولياً كما تشتهي. بالمقابل، عبّر ترامب لأكثر من مرة عن رغبته في تغيير العلاقة بين بلاده والاتحاد الأوروبي، معتبراً أنّ حماية أوروبا وأمنها القومي لا يجب أن يكون من أموال الأميركيين.

على المنوال نفسه، لترامب حساب قديم مع إيران، وهو لا يرى أياً من طموحاتها بعين إيجابية، ويفضّل دعم إسرائيل وأمنها، كما التوصّل إلى سلام دائم بينها وبين العرب. من يدري، قد تكون نهاية الصراع العربي – الإسرائيلي على يد ترامب، وهو غير المتحمّس عادة للحروب الطويلة والمكلفة، بل المؤمن أنّ كل صراع يمكن حلّه بالإقتصاد والمال والإستثمارات.

إضافة إلى هذه التحديات الخارجية، لا يمكن إغفال الصراع الذي سيخوضه ترامب مع المنظمات الدولية والإتفاقيات متعددة الأطراف. فهو يعتبر أنّ المؤسسات العالمية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية ليست سوى أدوات تُستخدم لضبط الولايات المتحدة وإجبارها على التنازل عن نفوذها لصالح دول أخرى. لذلك، من المتوقع أن يستمر في تقويض هذه المؤسسات أو إعادة تعريف دورها بما يتناسب مع رؤيته «أميركا أولاً». 

أما على المستوى البيئي، فإنّ ترامب يرفض الأجندة المناخية التي تتبناها أغلب الدول الكبرى، معتبراً أنّ مكافحة التغيّر المناخي ليست سوى وسيلة لتقييد النمو الاقتصادي والصناعي للولايات المتحدة. انسحابه السابق من «إتفاقية باريس للمناخ» قد يكون مجرد البداية لمساعيه المستمرة للتخلص من أي التزامات بيئية تعوق خططه لتعزيز الصناعات التقليدية، خاصة الفحم والنفط. 

في ظل هذا النهج، يبدو أنّ رئاسة ترامب ليست مجرد حقبة سياسية عابرة، بل هي تحوّل جذري في مسار الولايات المتحدة. إنّها مرحلة تحاول كسر ما يعتبره ترامب «القيود» التي فرضتها النخبة السياسية والإقتصادية طوال العقود الماضية. لكن السؤال الأهم هو: هل ستتمكن سياساته من تحقيق التغيير الذي يتطلع إليه أنصاره؟ أم أنّ هذا النهج سيفضي إلى مزيد من الإنقسام الداخلي والتوترات الدولية؟  

الولايات المتحدة تحت قيادة ترامب تبدو وكأنّها تسير في طريق غير مألوف، حيث تسعى لإعادة تعريف دورها كقوة عظمى وفقاً لشروط مختلفة تماماً. ورغم الإنتقادات والهجمات التي يواجهها، يبدو أنّ ترامب يعتمد على قاعدة جماهيرية واسعة تعتقد أنّ هذا التغيير هو ما تحتاجه البلاد للعودة إلى قمة المشهد العالمي والتربع عليه لعقود طويلة قادمة.