نبيه بري بين الأمس واليوم: من زعيم شاب إلى كهل السياسة اللبنانية
نبيه بري بين الأمس واليوم: من زعيم شاب إلى كهل السياسة اللبنانية
هل ستترجم تهدئة برّي إلى توافق سياسي يسمح بإستمرار عمل المؤسسات؟ أم ستترجم من خلال تخوينه أخصامه السياسيين إلى دورة جديدة من تدمير المؤسسات وتمهّد لحروب صغيرة أو كبيرة على أرض الوطن؟
أربعون عامًا تفصل بين خطابيْن لنبيه بري، الفرق بينهما أشبه بمرآة تعكس تحولات لبنان العميقة. في مطلع الثمانينيات، برز بري كزعيم شاب، صاعد بسرعة في المشهد السياسي اللبناني، متكئًا على دعم حافظ الأسد وحضن النظام السوري الذي كان آنذاك الحَكَم واللاعب الرئيسي في لبنان. تولى رئاسة حركة أمل بعد موسى الصدر، فحوّلها إلى ذراع سياسية وعسكرية وازنة، ليقف في مواجهة إتفاق 17 أيار الذي اعتبره تكريسًا للهيمنة الإسرائيلية. كان صوته صاخبًا، وهيبته قادرة على حشد الشارع، وقد تحالف مع وليد جنبلاط وأحزاب الجبهة الوطنية واليسار، في وقت بدا فيه المشهد مقسومًا بوضوح بين من أراد المضي بالاتفاق ومن تمسّك بالمواجهة.
ذاك الزمن ولّى. اليوم، يطل نبيه بري بوجه آخر: رجل أنهكه العمر والسياسة معًا، وقد تقلّصت تحالفاته إلى نصفه الشيعي فقط. لم يعُد الحليف الجنبلاطي إلى جانبه، ولا الأحزاب التي كانت تُسمى وطنية تشاطره الموقع أو الرؤية. سوريا أيضًا أصبحت على المقلب الآخر مع أحمد الشرع، بعدما كانت يومًا السند الأساسي له. أما الغطاء العربي، فغائب تمامًا، بعدما تبدّل ميزان القوى وتحولت أولويات الدول العربية بعيدًا عن الساحة اللبنانية.
المفارقة الصارخة أنّ بري، الذي حرّك الشوارع في 6 شباط 1984 وفتح الباب أمام إقتحام الضاحية وشرق صيدا، والذي لم يتردد في تغطية إجتياح بيروت في 7 أيار 2008 ومحاصرة حليفيه السابقين وليد جنبلاط وسعد الحريري، صار اليوم يرفع شعار التهدئة والتروي والتكاتف. دعوته الأخيرة إلى «حل للسلاح على الرايق» بدت وكأنّها تغطية سياسية لاستراتيجية حزب الله في تقطيع الوقت وتأجيل المواجهة مع الاستحقاقات الداخلية والدولية. فالحزب لا يزال متمسكًا بترسانته باعتبارها ورقة قوة إقليمية، فيما يراها خصومه أداة إستقواء على الشريك اللبناني الآخر.
يبقى مصير جلسة مجلس الوزراء معلقًا على هذا الخطاب: هل ستترجم تهدئة بري إلى توافق سياسي يسمح بإستمرار عمل المؤسسات، أم أنّها مجرد رسالة موجهة إلى الخارج لتخفيف الضغط على حزب الله؟ أم ستترجم من خلال تخوينه أخصامه السياسيين إلى دورة جديدة من تدمير المؤسسات وتمهّد لحروب صغيرة أو كبيرة على أرض الوطن؟ الشارع اللبناني المنهك لم يعُد يتجاوب مع شعارات عامة عن الوحدة والتكاتف، بقدر ما ينتظر خطوات ملموسة تؤكد أنّ الدولة قادرة على الدفاع عن مواطنيها بلا سلاح خارج سلطتها.