من هو رئيس مجلس النواب المقبل؟
من هو رئيس مجلس النواب المقبل؟
من سيكون صاحب الحظ الذي سيكتب إسمه في التاريخ كرئيس مجلس ما بعد بري؟
منذ أكثر من ثلاثين عاماً، احتلّ نبيه بري الموقع الثاني في الدولة كأنّه قدر سياسي لا يتبدّل. جاء إلى رئاسة مجلس النواب عام ١٩٩٢ على ظهر إتفاق الطائف، يوم كانت دمشق الحاكم الفعلي، والرياض راعية التسوية، وواشنطن الضامن. ومنذ ذلك الحين، تغيّر كل شيء إلا كرسي بري.
لكن رحلة الثبات هذه لم تكن نتيجة «حكمة» سياسية بقدر ما كانت ثمرة حماية كاملة من حزب الله. فبعد اغتيال رفيق الحريري عام ٢٠٠٥ وسقوط التوازن الذي أنتج الطائف، بقي بري لّأنه يمثل الغطاء الشيعي الرسمي الضروري للحزب. ومع إندلاع الثورة عام ٢٠١٩، بدأت منظومة الحزب تتآكل، جبران باسيل سقط شعبياً، سعد الحريري خرج من المشهد، رياض سلامة إنهار، والإغتيالات طالت قيادات الصف الأول والثاني في الحزب الله بحرب الإسناد. ومع ذلك بقي بري، ليس لأنّه قوي، بل لأنّ الحزب بحاجة إليه.
لكن البلاد المتجهة إلى إنتخابات نيسان ٢٠٢٦، ليست هي البلاد التي ورث فيها بري المنصب. البيئة تغيّرت بالكامل، السعودية في عهد ولي العهد تحولت رأس حربة ضد إيران، تقاتلها في اليمن وتواجه مشروعها في المنطقة. النظام السوري سقط فعلياً، ورئيسه يعيش لاجئاً سياسياً في موسكو. الأميركيون يهاجمون الهيمنة الشيعية بوضوح غير مسبوق، ويستهدفون رموزها ومن بينها بري شخصياً.
أما حزب الله، فبعد غياب السيد الذي شكّلت خطاباته غطاء نفسياً وسياسياً، يظهر منهكاً، محاصَراً، ومتراجعاً إلى ما يشبه وضعه في الثمانينيات. العداء العربي له تجاوز العداء لإسرائيل. وإسرائيل نفسها تنفّذ عمليات إغتيال يومية، تدخل وتخرج من لبنان بلا ردّ، فيما الأميركي يفرض حصاراً مالياً خانقاً.
في هذا الجو، تتجه الثنائية الشيعية إلى إنتخابات بلا حلفاء، بلا رواية، وبلا قدرة على ضبط الجمهور. تحت ضغط آلة القتل الإسرائيلية والعقوبات الأميركية، سيحصل الإختراق الشيعي الذي طالما اعتُبر محرّماً. سيحصل في جبيل. في بعلبك. في مرجعيون. وربما يمتدّ إلى النبطية وبعبدا. وهذه الخروقات لن تكون رمزية هذه المرة، بل ستصيب قلب المعادلة: رئاسة مجلس النواب.
فخروج بري من الموقع الثاني سيعني إنقلاباً في المشهد السياسي اللبناني. للمرة الأولى منذ ٣٣ عاماً، سيجد النظام نفسه أمام معادلة جديدة. رئيس مجلس لا يدور في فلك الثنائي، ولا يملك تاريخ «الخدمات» الذي راكمه بري، ولا يخضع لمنطق السلاح.
من سيكون صاحب الحظ الذي سيكتب إسمه في التاريخ كرئيس مجلس ما بعد بري؟
ومن يجرؤ أصلاً على مواجهة نظام يعرف كيف يخلط السياسة بالدم؟ هل نرى إسماً جديداً، مختلفاً، يعكس التحوّل الفعلي في المزاج الشيعي؟ أم أنّ مصير كل من يحاول خرق الحلقة المقفلة سيكون شبيهاً بمصير لقمان سليم؟
الأسئلة مفتوحة، والجواب لا يعرفه أحد بعد. لكن المؤكد أنّ نهاية عهد بري ليست مجرد إستحقاق إداري. بل منعطف تاريخي سيحدّد شكل السلطة في لبنان لعقود مقبلة.

