الحرب الباكستانية – الأفغانية: إشتباك حدودي أم مواجهة إقليمية؟
الحرب الباكستانية – الأفغانية: إشتباك حدودي أم مواجهة إقليمية؟
أفغانستان مجدداً ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات بين القوى الإسلامية والإقليمية الطامحة إلى زعامة المنطقة.
إندلعت في الأسابيع الأخيرة أعنف المواجهات منذ عام 2021 بين الجيش الباكستاني وحركة طالبان الحاكمة في أفغانستان، بعد أن شنّت إسلام آباد غارات جوية داخل الأراضي الأفغانية قالت إنّها استهدفت مواقع للتنظيم «تحريك طالبان باكستان»- TTP-( TEHRIK-E TALIBAN PAKISTAN) المتحصّن في المقاطعات الحدودية. هذه الغارات جاءت، وفق الرواية الباكستانية، رداً على سلسلة هجمات دامية شنّها مقاتلو التنظيم ضدّ مواقع عسكرية داخل باكستان، في وقتٍ تتهم فيه إسلام آباد السلطات الأفغانية بغضّ الطرف عن نشاطات التنظيم والسماح لعناصره بالتحرّك بحرية عبر الحدود.
من جانبها، تنفي طالبان هذه الإتهامات وتؤكد أنّ باكستان تستخدم ذريعة مكافحة الإرهاب لتبرير إنتهاكها المتكرّر للسيادة الأفغانية، معتبرة أنّ الضربات الجوية الأخيرة «اعتداء على دولة مسلمة مجاورة» ومحاولة لفرض الوصاية عليها. لكنّ السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل هذه الحرب مجرّد خلاف حدودي، أم إنعكاس لصراع أوسع بين محاور إقليمية متقابلة؟
فالهند التي لطالما كانت خصماً تقليدياً لإسلام آباد، بدأت في الأشهر الأخيرة بتوسيع حضورها داخل أفغانستان عبر إستثمارات ومشاريع إنمائية، وأعادت فتح سفارتها في كابول بعد سنوات من الإغلاق. هذا التحرّك اعتبرته باكستان محاولة واضحة من نيودلهي لاستخدام طالبان كورقة ضغط جديدة على حدودها الغربية، بعد أن فشلت محاولاتها في كشمير في إخضاع الجيش الباكستاني أو كبح نفوذه. ومع تصاعد الإشتباكات على الحدود، يرى بعض المراقبين أنّ توقيت هذه الخطوات الهندية ليس صدفة، بل يعكس سعياً هندياً إلى إضعاف باكستان وتشتيت تركيزها بين جبهتين في الشرق والغرب.
في المقابل، كان توقيع باكستان إتفاقية دفاع شاملة مع المملكة العربية السعودية تطوراً لم يمرّ بهدوء في العواصم الإقليمية. فالصفقة التي شملت التعاون العسكري والتدريب وتصنيع الأسلحة، أعادت الدفء إلى محور إسلام آباد – الرياض، لكنها أثارت قلق تركيا وقطر اللتين تعتبران نفسيهما القناتين الأساسيتين للتأثير في كابول. وبحسب مصدر دبلوماسي قطري، كانت الدوحة غاضبة ومتفاجئة من هذه الصفقة، لأنّها جمعت بين أغنى دولة إسلامية وأقوى جيش إسلامي، ما اعتُبر تهديداً مباشراً لدورها الإقليمي وتوازن النفوذ في المنطقة. هاتان الدولتان، اللتان دعمتا طالبان دبلوماسياً منذ عام 2021، وجدتا في التحالف الجديد بين باكستان والرياض تقويضاً لمجالهما السياسي في أفغانستان، وربما سعتا إلى الرّد عبر تشجيع طالبان على التصعيد ضد إسلام آباد، لإجبارها في النهاية على العودة إلى التفاوض عبر بوابتي الدوحة وأنقرة. بهذه الخطوة، تمكنت العاصمتان من استعادة موقعهما كوسيطين ضروريين لأي تسوية محتملة، وإعادة ترسيخ نفوذهما الجيوسياسي في المعادلة الأفغانية – الباكستانية.
وهكذا، تحوّلت الحرب من مواجهة حدودية محدودة إلى ساحة صراع غير مباشر بين محاور متنافسة: محور الرياض – إسلام آباد من جهة، ومحور الدوحة – أنقرة – ونيودلهي من جهة أخرى، في ظلّ غياب واضح لأي توازن دائم أو تفاهم مستقر. إنتهت الحرب بهدنة هشّة تمّ التوصل إليها بوساطة قطرية – تركية، لكن جذورها الأعمق ما زالت قائمة، لتبقى أفغانستان مجدداً ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات بين القوى الإسلامية والإقليمية الطامحة إلى زعامة المنطقة.