هل إستهداف فنزويلا جزء من خطة أوسع لتفكيك «محور إيران»
هل إستهداف فنزويلا جزء من خطة أوسع لتفكيك «محور إيران»
المعركة لم تعد فقط في الجنوب اللبناني أو البحر الأحمر، بل امتدت إلى الكاريبي، حيث تسعى واشنطن إلى توجيه الضربة الأخيرة في حرب صامتة تُخاض بأدوات إقتصادية وأمنية معاً.
الأسبوعان الماضيان أعادا فنزويلا إلى واجهة المشهد الدولي بعد تصعيدٍ أميركي واضح في البحر الكاريبي: تحشيد بحري وجوي قرب السواحل الفنزويلية، غارات ضد زوارق يُشتبه بأنّها تُهرّب المخدرات، وتحركات سياسية تُذكّر ببدايات عمليات الضغط القصوى. واشنطن تُبرّر هذه الخطوات بأنّها تأتي في إطار «مكافحة تجارة الكوكايين وتمويل الإرهاب»، لكنّ كثيرين يرون في هذا التبرير غطاء لعملية أوسع هدفها السياسي لا الأمني. فالعلاقة المتوترة بين واشنطن وكاراكاس ليست جديدة، بل تعود جذورها إلى عهد هوغو تشافيز حين قررت فنزويلا كسر هيمنة الولايات المتحدة والإنضمام إلى محور الدول المناهضة لسياساتها.
العلاقة بين فنزويلا وإيران تجاوزت التحالف الدبلوماسي لتتحوّل إلى شراكة استراتيجية. فإيران زوّدت كاراكاس بالوقود والمعدات التقنية، وساعدتها في تجاوز العقوبات النفطية، فيما وفّرت فنزويلا لطهران منفذاً اقتصادياً إلى أميركا اللاتينية. تقارير إستخباراتية غربية تشير أيضاً إلى تعاون أمني وتقني بين الجانبين، يشمل تطوير طائرات مسيّرة ومنشآت صناعية مشتركة، وحتى نشاطات مالية مشبوهة يُشتبه بارتباطها بشبكات حزب الله. فالحزب، وفق تحقيقات أميركية، يُتهم بلعب دور في عمليات غسل أموال مصدرها تجارة الكوكايين في أميركا الجنوبية، وهي تجارة ضخمة تُستغل كقناة تمويل بديلة في ظلّ العقوبات المفروضة على إيران وحلفائها.
وفي هذا السياق، كشف مصدر دبلوماسي أميركي متخصّص في شؤون أميركا الجنوبية أنّ التوتر الحالي بين واشنطن وكاراكاس يفتح الباب أمام سيناريوهين لا ثالث لهما: الأول يشبه ما حصل مع كوبا حين رضخت أخيراً للضغوط وقدّمت تنازلات محدودة مكّنتها من تفادي الحرب والمحافظة على النظام، أما الثاني فهو سيناريو أكثر دموية على غرار ما حدث في بنما عندما قررت الولايات المتحدة إستخدام القوة لإسقاط النظام هناك. المصدر شدّد على أنّ «الإحتمالين قائمين، ولا وجود لمنطقة وسطى هذه المرة»، في إشارة إلى أنّ واشنطن حسمت خيارها بفك الإرتباط بين كاراكاس و طهران وإعادة الأولى إلى بيت الطاعة بالقوة بعد سنوات من العقوبات غير المجدية.
لكن خلف هذا المشهد، يلوح ما تعتبره واشنطن «الخطة الكبرى» لتفكيك محور إيران الممتد من غزة إلى بيروت وصنعاء، وصولاً إلى أميركا اللاتينية. فبعد الضربات القاسية التي تلقّتها حماس في غزة، والضغوط التي أضعفت حزب الله في لبنان، والضربات التي طالت الحوثيين في اليمن، ترى الولايات المتحدة أنّ الوقت حان لضرب العمق الإقتصادي والسياسي للمحور عبر إستهداف فنزويلا، الحليف الأبعد جغرافياً لكنه الأهم مالياً. فإضعاف فنزويلا يعني حرمان إيران من شريان تمويلي ودبلوماسي حيوي خارج الشرق الأوسط.
بهذا المعنى، تبدو الخطوات الأميركية الأخيرة جزءاً من إستراتيجية طويلة المدى، لا مجرد مواجهة مع نظام نيكولاس مادورو. إنّها محاولة لإغلاق الدائرة حول «محور إيران» من الداخل والخارج، عبر تحطيم أذرعه المالية والعسكرية. فالمعركة لم تعد فقط في الجنوب اللبناني أو البحر الأحمر، بل امتدت إلى الكاريبي، حيث تسعى واشنطن إلى توجيه الضربة الأخيرة في حرب صامتة تُخاض بأدوات إقتصادية وأمنية معاً.

