عام على عهد جوزاف عون: إنجازات واقعية وتحديات مؤجلة

عام على عهد جوزاف عون: إنجازات واقعية وتحديات مؤجلة

  • ٣٠ كانون الأول ٢٠٢٥
  • أنطوني سعد

عام جوزاف عون الأول لم يكن عاماً مثالياً، لكنه كان عاماً مختلفاً. إنجازاته واقعية، محدودة لكنها غير شكلية، وإخفاقاته تعكس حجم التعقيدات المتراكمة أكثر مما تعكس ضعف الإرادة.

بعد مرور عام على انتخاب الرئيس جوزاف عون، يمكن القول إنّ لبنان دخل مرحلة سياسية مختلفة عن تلك التي سبقتها، من دون المبالغة في تصويرها كمرحلة خلاص نهائي. ما تحقّق حتى الآن لا يرقى إلى مستوى التحول الجذري، لكنه بالتأكيد كسر حالة الجمود والإنهيار الكامل التي حكمت البلاد في السنوات الماضية، ووضع أسساً أولية لمسار مختلف، ولو كان بطيئاً ومليئاً بالعوائق.

أولى الإشارات الإيجابية في هذا العهد تمثلت في تكليف نواف سلام تشكيل الحكومة. سلام، الآتي من خارج المنظومة السياسية التقليدية، شكّل عامل إطمئنان داخلي وخارجي، ورسالة واضحة بأنّ الرئاسة لا تنوي إعادة إنتاج الطبقة نفسها التي قادت البلاد إلى الإنهيار. وجود رئيس حكومة غير متورط في شبكات الفساد والمحاصصة أعاد الإعتبار، ولو جزئياً، لمفهوم الدولة ومؤسساتها.

الخطوة الثانية البارزة كانت في حاكمية مصرف لبنان. تعيين كريم سعيد على رأس المصرف المركزي شكّل تحولاً نوعياً بعد سنوات من فقدان الثقة التام بهذه المؤسسة. سعيد يُنظر إليه كشخصية نظيفة، كفوءة، وذات رؤية تقنية عالية، ما أعاد بعض الأمل بإمكانية إدارة نقدية ومالية أكثر شفافية وعقلانية، ولو أنّ التحديات المتراكمة ما زالت تفوق قدرات أي فرد أو فريق.

على المستوى السيادي، لا يمكن تجاهل أنّ ملف سلاح حزب الله بدأ يتحرّك للمرة الأولى منذ سنوات طويلة. صحيح أنّ المسار بطيء وحذر، وصحيح أنّ النتائج حتى الآن محدودة، لكن مجرد فتح هذا الملف عملياً يُحسب لعهد جوزاف عون. أي رئيس آخر، في الظروف نفسها، كان سيتجنب هذا المسار بالكامل. البدء بعملية نزع السلاح، ولو تدريجياً، شكّل كسرًا لمحرم سياسي وأمني لطالما شلّ الدولة اللبنانية.

في موازاة ذلك، سُجّلت خطوات إصلاحية ملموسة، مع تراجع نسبي في منسوب الفساد داخل بعض مفاصل الدولة. إقصاء ثنائي التيار الوطني الحر وتيار المستقبل عن مراكز القرار شكّل تحوّلاً سياسياً مهماً، خصوصاً أنّ هذين التيارين كانا من أبرز المسؤولين عن السياسات التي قادت إلى الإنهيار المالي والإقتصادي. هذا الإقصاء لم ينهِ الفساد، لكنه حدّ من قدرته على التحكم الكامل بمفاصل الدولة.

على الصعيد الخارجي، بدأت بوادر عودة الثقة الخليجية والغربية بلبنان، ولو بشكل خجول. الإنفتاح لا يزال حذراً، والدعم مشروطاً، لكن الفارق واضح مقارنة بالقطيعة شبه الكاملة التي عاشها لبنان في السنوات السابقة. العهد الجديد أعاد فتح قنوات التواصل، وأرسل إشارات إيجابية بأنّ الدولة اللبنانية تحاول استعادة دورها الطبيعي.

في المقابل، لا يمكن تجاهل نقاط الضعف والإخفاق. ملف حزب الله، رغم بدء معالجته، كان يمكن إدارته بطريقة أكثر حزماً وتنظيماً. استمرار نعيـم قاسم في رفض التجاوب مع مطالب الدولة، لا سيما في ما يتعلق بما هو شمال نهر الليطاني، يطرح علامات إستفهام كبيرة حول قدرة السلطة التنفيذية على فرض قرارها. هذا التعثر قد يتحوّل إلى عامل توتر خطير، خصوصاً في ظل التهديدات الإسرائيلية المتواصلة، واحتمال إنزلاق الوضع نحو مواجهة جديدة.

عام جوزاف عون الأول لم يكن عاماً مثالياً، لكنه كان عاماً مختلفاً. إنجازاته واقعية، محدودة لكنها غير شكلية، وإخفاقاته تعكس حجم التعقيدات المتراكمة أكثر مما تعكس ضعف الإرادة. العهد فتح باباً كان مغلقاً، لكن السؤال الحقيقي يبقى: هل يمتلك القدرة والغطاء السياسي لفتح الباب على مصراعيه في السنوات المقبلة، أم أنّ هذا العام سيبقى مجرد استثناء في مسار طويل من التعطيل؟