إسرائيل والإفلات الدائم من العقاب.. هل من عدالة تنصف الجنوب اللبناني؟
إسرائيل والإفلات الدائم من العقاب.. هل من عدالة تنصف الجنوب اللبناني؟
بعد مرور ما يزيد عن ثلاثة أشهر على إرتكاب إسرائيل جرائم حرب في الجنوب اللبناني، كَثُر الحديث عن توثيق الإعتداءات بغية إدانة إسرائيل ومعاقبتها دوليًا من خلال تحويل الخروقات الموثقة إلى المحافل الدوليّة لتشكيل لجنة تقصّي حقائق أممية.
قد تفلح المنّظمات الحقوقيّة في توثيق هذه الجرائم، لكنّ المسؤوليّة الكبرى تقع على عاتق الدولة اللبنانيّة في التعاون مع المسارات غير الحكوميّة من خلال دعم التحقيقات وتسهيل الوصول إلى الأدلّة وتقديم تقارير رسمية توثق جرائم إسرائيل منذ تشرين الأوّل الفائت.
وإنطلاقًا من أهميَّة وضرورة التوثيق الرسمي للجرائم الإسرائيليّة، قدّمت النائب في البرلمان اللبناني، حليمة قعقور، ورقة رسمية للجنة الإدارة والعدل تضمّنت الإجراءات القانونيّة التي يمكن للحكومة اللبنانيّة إتخاذها لإدانة الإعتداءات الإسرائيليّة المرتكبة على أراضيها.
وجاء في ورقة الإعلان عن المسارات القانونيّة الدوليّة النصّ التّالي:
أولًا، كلّ السياقات القانونيّة تحتاج إلى دعم من الحكومة والإدارات والجيش اللبنانيّ لما تقتضيه الإجراءات من توثيق كافّة الجرائم والخروقات الجسيمة التي إرتكبها الإحتلال الإسرائيليّ على الأراضي اللبنانيّة.
ثانيًا، في ظل عدم توقيع لبنان على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائيّة الدوليّة وهي المحكمة المختصّة بالنظر في الإبادة الجماعية ،والجرائم ضدّ الإنسانية،وجرائم الحرب ،وجرائم العدوان .، يمكن للحكومة الإستفادة من البند 3 من المادة 12 من نظام إنشائها الذي يجيز للدولة غير الموقعة على الإتفاقية أن تصدر إعلاناً تعترف فيه بالإختصاص القضائي للمحكمة وأن تسجله لديها
من أجل ملاحقة العدو الإسرائيليّ على جرائم الحرب التي يرتكبها بحق المدنيّين والصحافيّين اللبنانيّين وتعدّياته على الأراضي اللبنانيّة.
ثالثًا، يجب على الحكومة اللبنانيّة العمل على مسارات قانونيّة أخرى مثل اللجوء إلى الجمعيّة العامة وفق قرار «الاتحاد من أجل السلام» رقم 377 طالما أنّ لجوء لبنان إلى مجلس الأمن بشأن إعتداءات العدوّ الإسرائيليّ يواجه دائمًا بإستخدام الفيتو.
رابعًا، على الحكومة أن تفعّل جهودها الدبلوماسيّة لحصد الثلث لجلسة إستثنائيّة لمجلس حقوق الإنسان والتصويت على لجنة تقصّي حقائق دوليّة.
خامسًا، تقع المسؤولية بالدرجة الأولى على الحكومة اللبنانيّة لتقديم بلاغات عبر/إلى المقرّرين الخاصّين المعينّين من قبل مجلس حقوق الإنسان الذين تتناسب الجرائم المرتكبة على أراضينا مع صلاحيّات ثلاثة منهم على الأقل.
سادسًا، في المواجهة مع نظام الإبادة الإسرائيليّ، من الضروريّ عدم إهمال المسارات القانونيّة والحقوقيّة من أجل ملاحقته وإدانته أمام العالم.
وسط هذه الأجواء، يشير رئيس لجنة حقوق الإنسان النّيابيّة النّائب ميشال موسى في حديث لـبيروت تايم إلى أنّ إسرائيل لم تبرم غالبيّة الاتفاقيّات الدوليّة ولم توقّع على تلك المتعلّقة بقضايا النزاعات، وذلك للتهرّب من التزامات القانون الدولي الإنساني خصوصًا والقوانين الدوليّة عمومًا.
ويستطرد موضحًا أنّ تعرّض الصحافيّين للإعتداء المباشر في جنوب لبنان واستهداف المدنيين و اليونيفيل والجيش اللبناني دفعا الحكومة ووزارتي الإعلام والخارجيّة إلى تقديم شكاوى للمنظّمات الصحفيّة العالميّة، ولمجلس حقوق الإنسان، واليونسكو، وللمؤسسات ذات الصلة بحقوق الإنسان. ورغم عدم انضمام إسرائيل إلى تلك المؤسسات المستهدفة بالشكاوى، إلّا أنّ أهميّة هذه الشكاوى تكمن في طلبها إدانة إسرائيل وفرض عقوبات شتّى أبرزها إقتصاديّة.
إلى ذلك، أشار المحامي فاروق المغربي، الذي شارك في صياغة الورقة الرسمية التي تضمّنت الإجراءات القانونيّة، إلى أنّه تطرق مع مجموعة من الأشخاص إلى كلّ الخطوات التي يمكن للحكومة اللبنانيّة إتخاذها بهدف إثارة نزاع قانونيّ مع إسرائيل. وسبق تنفيذ بعض الخطوات على الصعيدين العالميّ واللبنانيّ، إذ شهدنا لجنة تقصّي الحقائق عام 2006 في لبنان، وإعتمدت دول عدّة محكمة الجنائيّة الدوليّة، أبرزها أوكرانيا.
وعلى صعيد متصل، برز حراك في لبنان، يسعى إلى الإستفادة من مسارات قانونيّة مختلفة، من أجل توثيق جرائم الحرب المرتكبة في لبنان، والحشد دوليًا من أجل إدانتها، تحت عنوان تحقيق العدالة.
وفي هذا السياق، إفتتحت مسارات في ملاحقة الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين، قادها تجمّع نقابة الصحافة البديلة، وصدرت تقارير عن «هيومن رايتس ووتش» و«العفو الدولية»، حيال هجمات عدّة نفّذتها إسرائيل ضدّ المدنيين والصحافيين.
وعن التعاون مع نقابة الصحافة البديلة، يلفت فاروق إلى أنّه منذ وفاة المصور عصام عبدالله، تمّ التواصل مع اليونيفيل والمقرّرين الخاصّين، الخبراء المعينين من قبل مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. هذا وتمّ العمل على رسالتين، الأولى للمفوض السامي لحقوق الإنسان، والثانية لليونسكو. ويضيف «طلبنا إجراء تحقيق مستقلّ في قضيّة العبدالله، وأُفيد لنا أنّ المقرّرين الخاصّين سيصدرون تقريرًا في 12 من هذا الشهر الجاري بخصوص تطورات هذا الملف بعد إجرائهم للبحث المطلوب. ونحن نبحث أيضًا في إمكانية اللجوء إلى القضاء العادي الدوليّ، ما يعني إستخدام الإختصاص العالميّ للقضاء المحليّ، وذلك بالتوجه إلى دول أوروبيّة لمحاكمة ضباط إسرائيليين».
هذا وشرحت منظّمة «هيومن رايتس ووتش» مراحل توثيقها للإنتهاكات الإسرائيليّة في جنوب لبنان من خلال بعض التحقيقات. فالتحقيق الأوّل تعلّق بالغارة الإسرائيلية التي استهدفت السيّارة المدنيّة في جنوب لبنان والتي أدّت إلى قتل 3 فتيات مع جدّتهن. أمّا التحقيق الثاني تمحور حول القصف الإسرائيلي للطواقم الإعلامية في الثالث عشر من تشرين الأول الفائت، حين قتل مصور وكالة رويترز عصام عبدالله. وتبيّن بأنّ إستهداف السيّارة المدنيّة كان متعمّدًا، ولم تتمكن إسرائيل من تقديم أيّ أدّلة أو أن تبرر هذا الإستهداف، وبالتالي فإنّ عدم القدرة على التمييز بين الإستهداف المدنيّ والعسكري يصنف بأنّه من جرائم الحرب التي تستدعي إدانة إسرائيل.
وفيما لا يزال الشكّ يكتنف قدرة المحافل الدوليّة على ملاحقة إسرائيل خصوصًا وأنّ الآليّات الجنائيّة تخضع للحسابات السياسيّة للدول الكبرى، يعتزم برلمانيّون عرب إعداد تقارير موسعة في شأن الانتهاكات الإسرائيليّة في قطاع غزّة، بهدف تقديمه إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة، ضمن مساعٍ عدّة لملاحقة إسرائيل على جرائمها في حقّ الفلسطينيين.