حرب إسرائيل على غزة تفاقم أزمة المناخ العالمي

حرب إسرائيل على غزة تفاقم أزمة المناخ العالمي

  • ١٥ كانون الثاني ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

تجاهل تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وعدد الشهداء والدمار ومستقبل الشعب الفلسطيني، يرافقه تجاهل للأثر البيئي والتغيّر المناخي من جراء القصف، فهذه حرب من نوع آخر، تطال الكرة الأرضية.

إذ فاقمت الحرب حالة الطوارئ المناخية العالمية، والتي تتجاوز بكثير إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناجمة عن القنابل والطائرات. 

 

أظهرت أرقام دراسة "لمحة متعددة الأزمان لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري جراء الصراع إسرائيل وحماس" التي صدرت في 9 كانون الثاني عن «شبكة أبحاث العلوم الاجتماعية»، أنّه في أول ستين يوم من الحرب على قطاع غزة، إنبعث 281,000 طن متري من ثاني أكسيد الكربون (ما يعادل ثاني أكسيد الكربون)، و99 في المئة منها نتيجة القصف الجوي الإسرائيلي والغزو البري للقطاع.

 

وبحسب الدراسة المشتركة لباحثين من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، فإنّ الإنبعاثات المسبّبة لظاهرة الإحتباس الحراري، كانت أكبر من البصمة الكربونية السنوية لأكثر من 20 دولة من أكثر دول العالم تعرضاً للتلوّث المناخي.

 

إعتمدت الدراسة على حفنة من الأنشطة الكثيفة الكربون، لا تمثل الواقع الّا بنسبة قليلة، وعلى الرغم من ذلك، بلغت الكلفة على المناخ خلال الأيام الستين يوماً الأولى، حرق ما لا يقل عن 150 ألف طن من الفحم. شمل التحليل ثاني أكسيد الكربون، الناتج عن مهام الطائرات والدبابات والوقود من المركبات الأخرى، بالإضافة إلى الإنبعاثات الناتجة عن صنع وتفجير القنابل والقذائف المدفعية والصواريخ، ولم تشمل الغازات الأخرى المسبّبة للإحتباس الحراري، مثل غاز الميثان. وتسبّبت طائرات الشحن الأمريكية، التي تنقل الإمدادات العسكرية إلى إسرائيل، بإنبعاث نصف إجمالي إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

 

وتقدّر الشحنات من الولايات المتحدة الى إسرائيل بمليارات الدولارات من المساعدات العسكرية والأسلحة، وحتى الرابع من كانون الأول 2023، وصلت إلى إسرائيل ما لا يقل عن 200 رحلة شحن أمريكية، تحمل 10,000 طن من المعدات العسكرية. إستهلكت هذه الرحلات الجوية حوالي 50 مليون لتر من وقود الطائرات، بحسب الدراسة، مما أدى إلى إطلاق نحو 133 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، أي أكثر من جزيرة غرينادا بأكملها في العام الماضي.

 

من جهة أخرى، تقدّر الدراسة أنّ تكلفة الكربون لاحقاً لإعادة بناء 100 ألف مبنى متضرّر في غزة، بإستخدام تقنيات البناء المعاصرة، ستولّد ما لا يقل عن 30 مليون طن متري من الغازات المسبّبة للإحتباس الحراري. وهذا يعادل إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية في نيوزيلندا، وأعلى من 135 دولة ومنطقة أخرى، بما في ذلك سريلانكا ولبنان وأوروغواي. وبحسب الدراسة، فإنّ ما بين 36% إلى 45% من المباني في غزة، بين منازل ومدارس ومساجد ومستشفيات ومحلات تجارية، دُمّرت أو تضرّرت حتى الآن.

 

ولفتت الدراسة الى أنّ العواقب المناخية ستظهر من خلال إرتفاع مستوى سطح البحر والجفاف، فيما الحرارة الشديدة تهدّد إمدادات المياه والأمن الغذائي في فلسطين. كما يحذّر الخبراء من أنّ الوضع البيئي في غزة بات كارثيّاً، فقد تمّ تدمير وتلويث جزء كبير من الأراضي الزراعية والبنية التحتية للطاقة والمياه، مع ما قد يترتب على ذلك من آثار صحية مدمرة لعقود قادمة.  

في أول تقدير للبيانات التي نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية حول الدراسة، تبيّن أنّ الصواريخ التي أطلقتها حماس على إسرائيل، ولّدت خلال الفترة عينها حوالي 713 طناً من ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعادل حوالي 300 طن من الفحم، ما يعكس التفاوت في القدرات العسكرية بين الطرفين.

 

وقال أحد المشاركين في الدراسة، المحاضر في جامعة كوين ماري بنجامين نيمارك «هذه الدراسة ليست سوى لقطة من البصمة العسكرية الأكبر للحرب، وصورة جزئية للإنبعاثات الهائلة للكربون والملوّثات السامّة الأوسع، التي ستبقى لفترة طويلة بعد إنتهاء القتال». وأضاف «إنّ الإستثناء البيئي للجيش يسمح لهم برفع نسب التلوّث، مع الإفلات من العقاب، كما لو أنّ إنبعاثات الكربون من دباباتهم وطائراتهم المقاتلة لا يتمُّ إحتسابها، ويجب أن يتوقف هذا، ولمعالجة أزمة المناخ نحتاج إلى المساءلة».

 

وكانت قمة المناخ التي عقدت في دبي الشهر الفائت، قد وضعت على جدول أعمالها الكارثة الإنسانية والبيئية في غزة وحرب أوكرانيا والأمن وأزمة المناخ، لكنها لم تؤدِ إلى أي خطوات ذات معنى نحو زيادة الشفافية والمساءلة للقوات المسلحة أو الصناعة العسكرية. وفي خضم القصف الإسرائيلي على قطاع غزة،  حاول الوفد الإسرائيلي الترويج لصناعة التكنولوجيا المناخية في مجالات معينة، مثل إحتجاز الكربون وتخزينه، وتجميع المياه وبدائل اللحوم النباتية، وقال المبعوث الخاص لتغيّر المناخ والإستدامة جدعون بيهار «إنّ أكبر مساهمة لإسرائيل في أزمة المناخ تأتي في شكل الحلول».

هذا وتلعب إنبعاثات الغازات الدفيئة العسكرية دوراً كبيراً في أزمة المناخ، ولكنها تظلّ سريّة إلى حد كبير وغير معروفة في المفاوضات السنوية مع الأمم المتحدة بشأن العمل المناخي. في وقت تفرض إتفاقية كيوتو (UNFCCC or FCCC) الصادرة عام 1997، على الدول الأطراف خفض إنبعاثات غازات الإحتباس الحراري وتقديم بيانات حول هذه الإنبعاثات، لكن الإتفاقية باتت شكلية، إذ إنّ بعض الدول تنشر الحد الأدنى المطلوب من بيانات الإنبعاثات المتسبّبة بها جيوشها، اما الدول ذات الجيوش الضخمة لا تنشر شيئاً على الإطلاق.

 

ورغم ذلك، وجدت دراسة «تقدير إنبعاثات الغازات الدفيئة العالمية للجيش» الصادرة عن منظمة «علماء من أجل المسؤولية العالمية» في تشرين الثاني 2022، أنّ الجيوش مسؤولة عما يقرب من 5.5% من إنبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى العالم سنوياً، أي أكثر من صناعات الطيران والشحن مجتمعة. وهذا يجعل البصمة الكربونية العسكرية العالمية، حتى من دون الأخذ في الإعتبار الإرتفاعات الحادة في الإنبعاثات المرتبطة بالصراع، رابع أكبر أثر بعد الولايات المتحدة والصين والهند فقط.

 

وقد أفاد الجيش الأميركي عام 2022، أنّه أنتج ما يقدر بـ 48 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون، وفقًا لبحث أجرته نيتا كروفورد، وكانت هذه البصمة الكربونية العسكرية الأساسية، وأعلى من الإنبعاثات السنوية لـ 150 دولة ومنطقة بما في ذلك النرويج وأيرلندا وأذربيجان. ووفقاً لكروفورد، فإنّ نحو 20% من الإنبعاثات التشغيلية السنوية للجيش الأمريكي، تذهب نحو حماية مصالح الوقود الأحفوري في منطقة الخليج، وهي نقطة ساخنة لتغيّر المناخ، حيث ترتفع درجة حرارتها بمعدل أسرع مرتين من بقية العالم المأهول.