إستثمر في العقول.. رفيق الطلبة الذي نقل الشباب من الجبهة إلى الجامعة
إستثمر في العقول.. رفيق الطلبة الذي نقل الشباب من الجبهة إلى الجامعة
يحفظ التاريخ اللبناني للرئيس الشهيد رفيق الحريري قيادته في إعادة إعمار بيروت ولبنان بعد الحرب الأهلية الدامية. ورغم إختلاف وجهات النظر حول خطة الحريري آنذاك ونهجه الإقتصادي ورهاناته، فهناك شبه إجماع أنَّه أعطى لبنان واللبنانيين طرقات وجسوراً وبنى تحتية متطورة تآكلت مع مرور الزمن بفعل الحرب الأهلية وغياب الصيانة أو المتابعة اللازمة، وإنتشرت مقولة «بعد رفيق الحريري ما حطوا مسمار بالدولة».
هذا في الإنجاز على مستوى الدولة ، إنّما للرئيس الشهيد رفيق الحريري إستثمار أرقى وأهم ويطال الإنسان بشكل مباشر. هو إستثماره بالتربية والتعليم، إذ حمل لواء تعليم اللبنانيين وإخراج الشباب اللبناني من خلف متاريس الحرب إلى مقاعد الدراسة في لبنان وفي المؤسسات الأكاديمية الغربية المرموقة.
مسيرة رفيق الحريري التربوية بدأت في خضم الحرب الأهلية
رحلة تعليم الشباب اللبناني وتزويدهم بمهارات تخصصية عالية بدأت مع رفيق الحريري في العام 1979 من مدينته صيدا. حين أطلق عمله الإنساني والمعرفي عبر «المؤسسة الإسلامية للثقافة والتعليم العالي»، فقاد عبرها مبادرات لتمكين الشباب عبر إلتحاقهم بالدراسة الجامعية، بهدف النهوض بمدينته صيدا والرفع من شأنها.
رغبة رفيق الحريري بالإستثمار في التربية آنذاك على وقع دبابات الحرب، جعلت من حلم تعليم اللبنانيين ونقلهم من جبهات القتال إلى الجامعات أمراً صعب المنال. تلقى الحريري ضربة قاسية مع تعرض مجمع كفرفالوس الثقافي والطبي في شرق صيدا الذي ضمّ جامعة ومدرسة وثانوية ومستشفى إلى النهب والتدمير الكامل في العام 1985 جراء الغزو الإسرائيلي للبنان. إلّا أنَّ ذلك لم يثنِه عن هدفه، فكثَّف عمله ضمن «مؤسسة الحريري » التي أسسها في العام 1983 كي تكون الجمعية الوطنية غير الربحية الجامعة التي تضمن فرصاً متساوية في التعليم لكل اللبنانيين من كافة المستويات الإجتماعية والخلفيات والإنتماءات. سريعاً ما إستطاعت المؤسسة تمكين عدد كبير من الشباب اللبناني من الإلتحاق بالجامعات والمعاهد العليا في لبنان وخارجه، وأنشأت لهذه الغاية مقراً رئيسياً في بيروت ومكاتب في صيدا وطرابلس والبقاع، وأخرى في واشنطن وباريس ولندن لمتابعة شوؤن طلاب «الإبتعاث».
مؤسسة الحريري بالأرقام شعلة تربوية
بين عامي 1984 و2012 قدّمت مؤسسة الحريري منحاً تعليمية لـ36,000 طالباً لبنانياً إلتحقوا بحوالي 1064 جامعة ومعهد للتعليم العالي في أكثر من 27 دولةً من لبنان إلى كندا والولايات المتحدة الأميركية وشمال أفريقيا وأوروبا الغربية.
التعليم الأساسي والثانوي لم يغِب أيضاً عن مسيرة رفيق الحريري التربوية. حيث أسس شبكة من المدارس بين بيروت وصيدا والسعودية.
وفي العام 1999 أسَّس رفيق الحريري جامعة تحمل إسمه في منطقة المشرف قضاء الشوف وبأقساط جامعية مقبولة ومنح تعليمية كثيرة لضمان التعليم للجميع. وبالتوازي كان رفيق الحريري قد أسَّس عبر مؤسسته في العام 1985 برنامجاً للتوجيه المهني فكان أول من إستشعر في لبنان أهمية التعليم التقني والمهني وضرورة دعمه.
ذلك الإستثمار التربوي الواسع لرفيق الحريري هو تعبير عن قناعته بأنّ فرص التعليم الجيد هي الطريق الى المستقبل كما جاء في قوله في إحدى المناسبات «إنَّ الإنسان هو ثروة لبنان الأساسية، والعناية بالإنسان اللبناني، تعليماً وتثقيفياً وتنويراً، هي الوسيلة الأفضل لبناء لبنان».
إستثمارات رفيق الحريري في القطاع التربوي إستمرت بعد إغتياله على يد الغدر في 14 شباط العام 2005. بقيت مؤسسته التربوية التي تدعم التعليم إلى اليوم، وبقي خريجوه ومنهم اليوم نُخب في مختلف المجالات يحفظون له إستثماره بالإنسان. وتكريماً لتلك المسيرة التربوية مُنِح الرئيس الشهيد عدداً من شهادات الدكتوراه من جامعات في لبنان والعالم. نذكر منها: دكتوراه فخرية من جامعة بوسطن الأميركية في العام 1986، وأخرى من جامعة نيس الفرنسية عام 1988، وثالثة من جامعة جورج تاون الأميركية في العام 1996.
تحفظ الجامعات اللبنانية لرفيق الحريري فضله. فله مساهمات في تجهيز العديد من الجامعات، بين بيروت والشمال والجنوب، منها القاعات والمسارح والملاعب والكتب. وفي زمنه تمّ العمل على تجديد المناهج التربوية بعد إنقطاع لسنوات بسبب الحرب الأهلية ،ما ساعد على حماية إرث لبنان الذي يعود لعقود في التعليم والذي شكل ميزته وحضوره في العالم ،وحماية بيروت مركز التربية والتعليم لكل العرب.