هل يسقط الساحل السوري أم رسائل ضغط على الشرع؟

هل يسقط الساحل السوري أم رسائل ضغط على الشرع؟

  • ١٠ كانون الأول ٢٠٢٥
  • أنطوني سعد

الساحل السوري تحوّل إلى قنبلة ضغط موقوتة في يد اللاعبين الإقليميين. سوريا اليوم تُدار بسلسلة توازنات هشة، وأي خطأ في الحساب قد يجعل المستحيل ممكناً مرة أخرى.

منذ وصول أحمد الشرع إلى واجهة الحكم في سوريا، والمشهد الإقليمي يتأرجح بين سيناريو سوريا الموحّدة ونموذج الدويلات المفككة على أسس طائفية وعرقية. المشهد لم يعد نظرياً ولا مرتبطاً بتمنيات القوى الدولية، بل بات سؤالاً عملياً تفرضه الوقائع الميدانية والتسريبات الأمنية وحركة الأموال والسلاح بهدوء خلف الستار.

الأكراد حسموا مسارهم منذ سنوات بشار الأسد. كيان قائم بحكم الأمر الواقع، بحدود، ومؤسسات، ورعاية أميركية واضحة. في السويداء، نجح الشيخ حكمت الهجري، بدعم إسرائيلي غير خفيّ وغطاء سياسي إقليمي، في انتزاع مساحة نفوذ منفصلة عملياً عن دمشق، كيان لا يزال في طور الطفولة السياسية لكنه محمي ومحصّن بحسابات دولية. السؤال الذي يطفو اليوم هو: هل يأتي دور الساحل؟

التسريبات الإستخبارية التي تتحدث عن تحرّكات يقودها رامي مخلوف، إلى جانب شخصيات عسكرية سابقة مثل كمال حسن، ليست تفصيلاً عابراً. الحديث يدور عن محاولة إعادة تجميع مقاتلين، واستثمار شعور الخوف الوجودي لدى الطائفة العلوية، وخلق سردية أنّ الساحل هو «الملاذ الأخير» في حال قررت دمشق الجديدة فك ارتباطها نهائياً مع إرث النظام السابق ومنظومته الأمنية.

الساحل السوري، الممتد بين طرطوس واللاذقية، ليس مساحة هامشية. هو جغرافيا حساسة تضم الكتلة العلوية الأكبر، إلى جانب حضور سنّي وأقلية مسيحية، ويحتوي القاعدة الروسية في حميميم وميناء طرطوس، أي أنّه عقدة مصالح دولية لا يمكن التعامل معها بخفة. أي إضطراب هناك لا يبقى شأناً سورياً داخلياً، بل يتحول فوراً إلى مسألة روسية – إقليمية – دولية.

لكن السؤال الجوهري ليس: هل يمكن إسقاط الساحل؟ بل، هل هناك قرار أصلاً بإسقاطه أو فصله؟ التجربة السورية علمتنا أنّ كل شيء ممكن. نظام صمد ثلاثة عشر عاماً سقط في ساعات من دون معركة حقيقية. ثوابت إنهارت، وتحالفات تبخرت، وجيوش تفككت بلا طلقة. ومع ذلك، لا يعني هذا أنّ كل سيناريو محتمل هو بالضرورة قيد التنفيذ.

المصلحة الإسرائيلية، تاريخياً، واضحة، سوريا ضعيفة، مقسمة، منشغلة بذاتها، بلا مركز قرار قوي. الدويلات الطائفية المتناحرة تخدم هذا الهدف أكثر من أي نظام مركزي، أياً كان شكله. من هذا المنظور، يبقى تفكيك الساحل ورقة ضغط مثالية، لا تحتاج بالضرورة إلى تنفيذ، بل يكفي التلويح بها لإبقاء الشرع تحت سقف عالٍ من الإبتزاز السياسي والأمني.

في المقابل، ثمّة عامل كابح أساسي، المظلة الدولية والعربية التي أُلبست فجأة لأحمد الشرع. الرجل الذي صُنّف لسنوات كـ«إرهابيى، جرى تسويقه بسرعة باعتباره رجل الإستقرار والحريات ومنقذ وحدة سوريا. هذه المظلة لا تسقط بسهولة، لأنّ سقوطه يعني عودة الفوضى الشاملة، وهو سيناريو لم يعد مرغوباً لدى العواصم الكبرى ولا لدى موسكو نفسها.

أما روسيا، فهي اللاعب الأكثر براغماتية. ما يهمّها ليس هوية الحاكم ولا شكل النظام، بل ضمان قواعدها ونفوذها البحري. أي كيان ساحلي مستقل قد يبدو مغرياً نظرياً، لكنه عملياً يفتح باب فوضى لا يمكن ضبطها، ويضع موسكو في مواجهة مباشرة مع حسابات إقليمية معقدة، وهي في غنى عنها.

لذلك، يبدو أنّ ما يجري حتى الآن أقرب إلى رسائل ضغط مدروسة لا إلى مشروع إنفصال جاهز. تحريك الساحل، إعلامياً وأمنياً، هو أداة إبتزاز ذكية لإبقاء دمشق ضمن خطوط حمراء واضحة، لا سيما في ملف العلاقة مع إسرائيل، وترتيب الجنوب، وضبط الأقليات.

الخلاصة أنّ الساحل السوري لن يسقط غداً، ولن ينفصل بعد غد، لكنّه تحوّل إلى قنبلة ضغط موقوتة في يد اللاعبين الإقليميين. سوريا اليوم لا تُدار بخيار واحد، بل بسلسلة توازنات هشة، وأي خطأ في الحساب قد يجعل المستحيل ممكناً مرة أخرى.