حفيد المنظومة: عويدات الكأس المرّة التي تجرعتها العدالة اللبنانية
حفيد المنظومة: عويدات الكأس المرّة التي تجرعتها العدالة اللبنانية
أسدلت الستارة عن عهد أبي منيف بالمفهوم الشعبي، الذي ورث والده في القضاء، فضرب بسيف السلطة طابشاً ميزانه نحو رجال السياسة التبعيين. إنه غسان منيف عويدات الذي وصل إلى النيابة العامة التمييزية كحفيد للمنظومة وامتداد لوالده، الذي وصل مع الوصاية السورية فأوقف سمير جعجع وادّعى على ميشال عون. فكان عويدات الأب أداة المنظومة في فرض هيبة الوصاية السورية.
دارت الأيام ووصل حفيد المنظومة غسان إلى النيابة العامة التمييزية، فكان هدية للمنظومة في أيامها السوداء، حيث انقضّ على "الثورة" وبدأ بملاحقة رموزها وزجّهم بالسحون متى استطاع. لفلف قضية مرفأ بيروت وصولاً للإدعاء على المحقق العدلي وإطلاق الموقوفين وتوقيف مفعول مذكرات التوقيف.
بدأت مسيرة عويدات «الإبن» داخل القضاء اللبناني وهو يحاول أن يثبت لأبيه القاضي منيف عويدات، الذي تولّى منصب المدّعي العام التمييزي سابقاً، أنّه القاضي الجدير بجميع المناصب التي تولاها، وأنّ رحلته القضائية هي مماثلة لرحلة الأب القضائية، ولعل جميع هذه المحاولات كانت تهدف لإرضاء الأب الذي كان معجباً بمسيرة القاضي ريمون أسعد عويدات القضائية.
في ذاكرة كل لبناني ملامح عويدات محفورة؛ القاضي «المدّعى عليه» في أكبر قضية وطنية، الذي عرقل مسار التحقيقات وكبّل المحقّق العدلي المسؤول عن قضية المرفأ. وأيضاً، هو القاضي الذي قاد معركة السلطة السياسية وأصحاب المصارف.
صلاحيات واسعة
ومع توليه أرفع المناصب القضائية في عام 2019، فرض عويدات سلطته الكاملة على قضاة النيابة العامة التمييزية، وألزمهم بمراجعته قبل إتخاذ أي قرار أو إجراء قضائي، وطلب منهم إعلامه بجميع الإجراءات القضائية التي ستتخذ بحقّ المرافق العامة، فأعطى لنفسه صلاحية التدخّل في جميع الملفات داخل النيابة العامة التمييزية، وأتى قرار رئيس الحكومة السابق في أيلول عام 2019 وحصر كافة المراسلات ذات الطابع الجزائي بالمدّعي العام التمييزي فقط. ومنذ ذاك الوقت، لم يجرؤ أي قاضٍ داخل النيابة العامة التمييزية على تجاوز عويدات.
قضية المرفأ
لعب المدّعي العام التمييزي دوراً أساسياً في عرقلة ملف التحقيقات في قضية المرفأ، وحارب المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار، ومنعه من متابعة تحقيقاته. وبعد «الإجتهاد القانوني» الذي تمسّك به البيطار للعودة إلى ملفه عام 2023، عاد المحقّق العدلي إلى مكتبه وأخلى سبيل 5 موقوفين في القضية، وطلب من النيابة العامة التمييزية إبلاغ العديد من الأسماء السياسية والقضائية والأمنية بجلسات إستجوابهم، ولكن عويدات منع تنفيذ هذه القرارات، فادّعى عليه بجرم إغتصاب السلطة، وتعدّى على صلاحيات المحقّق العدلي، وأخلى سبيل جميع الموقوفين من دون أي مسوّغ قانوني! وإنقلبت النيابة العامة التمييزية بأكملها على البيطار بتوجيهات من عويدات. وبذلك قاد عويدات «هجمة» قضائية ضخمة ضدّ البيطار، تمكن عبرها من تجريده من صلاحياته! وكان آخرها وقف تنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة بحقّ علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، والتي كان أبطالها القاضي صبوح سليمان والقاضي عماد قبلان.
صورة أخرى طُبعت في ذاكرة أهالي ضحايا المرفأ، هي لحظة خروج رئيس مصلحة الأمن والسلامة في المرفأ، محمد زياد العوف، وتوجهه مباشرة من السجن إلى المطار ومغادرته نحو الولايات المتحدة الأميركية بالرغم من قرار منع السفر الصادر عن عويدات!
حينها، نفى عويدات أن يكون على علم بسفر محمد العوف، بحجة أنّ منع السفر بحاجة إلى 24 ساعة ليعمّم، وللمفارقة فإنّ تعميم السفر الذي أصدره عويدات بحقّ البيطار، حُوّل فور إصداره إلى الأمن العام وعُمّم خلال ساعات قليلة!
قضية المصارف
جمّد عويدات تحركات القاضية غادة عون، وأصدر تعميماً كان بمثابة ضمانة كاملة لأصحاب المصارف بعدم التعرّض لهم، ومنع طلب أي معلومة مصرفية لا تتعلق بالدعاوى المتعلقة بجرائم الفساد والجرائم الواقعة على الأموال، وفرض على النيابات العامة الإمتناع عن طلب معلومات من المصارف لها صفة عمومية، أو طلب أي معلومات مصرفية تعرّض أي شخص للتدخّل في خصوصياته! وأعطى لنفسه صلاحيات للتدّخل في ملف المصارف فارضاً على القضاة «إبلاغ النائب العام لدى محكمة التمييز عن الجرائم الخطرة والتقيّد بتوجيهاته»!
ولم يكتفِ بكل ذلك، بل توجّه بكتاب إلى النيابة العامة الإستئنافية في جبل لبنان طلب فيه وقف إجراءات غادةعون التحقيقية والإستقصائية في ملف المصارف.
قضية رياض سلامة
تحركت الوفود الأوروبية للتحقيق في قضية حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة بتهم تبييض الأموال وإختلاس المال العام، وطلب عويدات من القاضي رجا حاموش الإدعاء على رياض سلامة، بهدف ملاحقته داخل القضاء اللبناني بجرائم مالية متنوعة، إلّا أنّه إستغل جميع صلاحياته لحماية سلامة من الملاحقة الدولية والمحلية.
بتوجيهات من عويدات، أعطى القضاء اللبناني الضمانة الكاملة لسلامة بعدم توقيفه، وحلّ زائراً عزيزاً على النيابة العامة التمييزية لعدة مرات، وفُرضت الإجراءات الأمنية المشدّدة على قصر عدل بيروت، ليتحرك بسهولة، وبعد تعميم مذكرة التوقيف الدولية الصادرة بحق سلامة، حضر إلى النيابة العامة التمييزية لإبلاغه بصدور النشرة الحمراء، وسط حماية أمنية مشدّدة، وهمّ إلى إستقباله قضاة النيابة العامة التمييزية، وداخل مكتب أحد قضاة النيابة العامة التمييزية شرب سلامة كأساً من الكحول ودخّن السيجار.
وبذلك، جُمدت جميع التحقيقات المتعلقة بملف سلامة القضائي، وإنتهت ولايته من دون صدور أي إجراء قضائي.
إرضاء المنظومة السياسية
سعى سلامة جاهداً لإرضاء السلطة السياسية، وبعد توقيف المصرفي مروان خير الدين في فرنسا والتحقيق معه، سارع عويدات إلى الحصول على نسخة من محضر التحقيقات التي أجريت مع خيرالدين، ليتأكد عما إن كان خيرالدين قد أفشى معلومات سرية تتعلّق بشخصيات سياسية ومن بينها وليد جنبلاط.
جمّد عويدات التحقيقات المتعلقة بقضية إختلاس 330 ألف دولار أميركي من السفارة اللبنانية في أوكرانيا، ولم يتمّ ملاحقة أو توقيف الموظف المشتبه به، لأنّه يتمتع بحماية من السيدة رنده برّي، زوجة رئيس مجلس النواب، نبيه برّي.
وبعد فضيحة السفير اللبناني في فرنسا رامي عدوان وإتهامه بالإغتصاب وبممارسة أعمال عنفية ضدّ مجموعة من النساء، توقّفت التحقيقات أيضاً إرضاءً لرئيس التيار الوطني الحر، جبران باسيل.
ملاحقة أهالي ضحايا المرفأ
لاحق عويدات مجموعة من الناشطين ومن ضمنهم أهالي ضحايا المرفأ، وقرّر توقيف الكوميدي نور الحجار وذلك إرضاءً لدار الفتوى، وبتوجيهات من عويدات إستدعى أمن الدولة الصحافي جان قصير، وكان آخرها ما ذكرته «بيروت تايم» حول إستدعاء المحامي بيار الجميل.
في ملف كارلوس غصن القضائي الملاحق دولياً، «إنتصر» غصن على اليابان بمساعدة النيابة العامة التمييزية، وهذا ما نشرته «بيروت تايم» في تقرير سابق، حيث إدّعى القاضي صبوح سليمان على مجموعة من العاملين في شركة «نيسان» العالمية بتهمة السرقة!
وبعد فضيحة تقرير «ألفاريز أند مارسيل» الذي يدين سلامة ومجموعة من السياسيين، فتح عويدات تحقيقاً قضائياً حول مضمون التدقيق الجنائي وطلب من النيابات العامة إجراء التحقيقات، ولكن هذا الإجراء كان شكلياً فقط ولم تجرِ أي تحقيقات جديّة أو تسفِر عن أي نتيجة.
خلال ولايته أصدر عويدات قراراً بتشريع السيارات المصادرة لصالح الأجهزة الأمنية (المديرية العامة لأمن الدولة\قوى الأمن الداخلي)، ووضعت الأجهزة الأمنية جميع السيارات «الفخمة» التي تمّت مصادرتها بتصرّف القضاة، فقاد عويدات وبعض القضاة «أفخم» السيارات المصادرة.
لم يطالب القاضي عويدات بمنصب الشرف، الذي يعطي القاضي إمتيازات وتشريفات، وذلك كخطوة إستباقية خوفاً من عدم قبول طلبه بسبب قضية المرفأ، فهو من المدّعى عليهم في هذه القضية.
هكذا طُويت صفحة عويدات القضائية، الذي رفض المسّ برموز السلطة، وقاد جميع معاركهم ونفذّ مطالبهم وإنقلب على القانون، وغادر مكتبه داخل قصر عدل بيروت.
وداعاً!...