أوّل إمرأة تدخل عالم «المولوية»..!
أوّل إمرأة تدخل عالم «المولوية»..!
الدوران، من أهمّ الحركات التي تقوم عليها رقصة المولوية، وبحسب سهام مصطفى، يتم إستدعاء الدراويش للرقص في الأعراس أيضاً، حيث يتمتّع المدعوون بهدوء هذا المشهد!
«إنّ الأرواح التي تكسر قيود إنحباس الماء والطين وتتخلّص منه تكون سعيدة القلب، فتصبح راقصة في فضاءات عشق الحقّ لتكون كالبدر في تمامه، فالأجساد الراقصة لا تسأل عن أوراحها ولا تسأل عمّا ستتحوّل إليه»، بهذا البيت الشعري يلخّص جلال الدين الرومي عماّ تجسّده رقصة المولوية. وقد إنتشرت هذه الرقصة تعبيرًا عن رمزية التصوّف في الدوران حول النفس البشرية بعد وفاة جلال الدين الرومي عام 1273 ميلادية. أغلب ممارسي هذه الطقوس هم من أتباع الطريقة المولوية ، ويهدفون إلى كبح شهوات النفس والرغبات الشخصية عبر سماع الموسيقى والتفكّر في الله.
يعمد المتصوفون إلى تنظيم رقصات يرتدون فيها تنانير واسعة، ويقومون بحركة دورانية، باعتبارها وسيلة لمناجاة الخالق».
ويرى راقصو التنورة في دورانهم «تجسيدًا للفصول الأربعة» وأنّ الصلة بين المخلوق وخالقه تنشأ عندما يقوم الراقص أو اللفّيف، برفع يده اليمنى إلى الأعلى وخفض اليسرى إلى الأسفل متخففاً من كل شيء بقصد التواصل مع ربه.
يلبس «المولويون» - نسبة إلى «مولانا» جلال الدين الرومي- زي «الدراويش»، الذي يكمن تفرّده وإختلافه في بساطته، ويرفعون من خلاله أهم رموز التقوى والتجرّد من الأمور الحياتية.
وتُعد الجبة أو العباءة، الجلباب (الدراعة) القميص، التنورة (الجونلة)، السروال، الزنار (الحزام) وغطاء الرأس أساساً لأزياء الدراويش.
ما وراء المولوية
وكما يصف مؤسسّها بأنّه ذو رؤية تمثّل رسالة عالمية تخاطب كافة حضارات العالم بإعتبارها مصدر إلهام لكل الناس، كذلك هو الفن ذاته، مصدر الإلهام للذين يتّقنونه، أيّاً كانوا رجالاً أم نساء.. فيكفي أن تكون عاشقاً للفن لتجسّد بحركات بسيطة عالم من الأفكار الروحية العامة والخاصة.
ونظراً إلى فلسفة الرقصة، نجد أنّها ترتبط بالروح، وكل تفصيلة فيها، لها دلالة على معنى معيّن..
الدوران: يعرف بالرقص الدائري لمدة ساعات طويلة، حيث يدور الراقصون حول مركز الدائرة التي يقف فيها الشيخ، ويندمجون في مشاعر روحية سامية ترقى بنفوسهم إلى مرتبة الصفاء الروحي فيتخلصون من المشاعر النفسانية ويستغرقون في وجد كامل يبعدهم عن العالم المادي ويأخذهم إلى الوجود الإلهي كما يرون..
. و الدوران عموماً يمكن عدّه سُنّةً كونيةً، فالقمر يدور حول الأرض، والكواكب تدور حول الشمس، والشمس تدور حول نفسها، أيضاً الإلكترونيات تدور حول النواة، وفي الخلايا، وهكذا الراقصون بالتنورة.
الحركات البطيئة والمتكرّرة: تعكس التركيز الروحي و تهدف إلى تحقيق السكينة الداخلية. ففيها ما يرمز إلى إرتقاء الروح، والى الإتصال بالجذور الأرضية.
العزف على الآلات الموسيقية التقليدية: يتمّ إستخدام آلات موسيقية تقليدية مثل الناي والدف والعود وغيرها، فالصوت يمثل بدايات الكون ويخلق حالة مشعة في التواصل مع الخالق.
ومن أهمّ هذه الآلات:
الرّبابة، وإن كانت مجرّد وتَر يابس، وخشب يابس، وجِلْد يابس، فإنّ منها يخرج صوت المحبوب.
أما الناي، فيعتبر وسيلة للجذب الإلهي، وأكثر الآلآت الموسيقية إرتباطاً بعازفه، ويشبه أنينه بأنين الإنسان للحنين إلى الرجوع إلى أصله السماوي في عالم الأزل.
و السماع عند المولوية وسيلة يتوسّل بها إلى جلب العشق الإلهي والجذب الصوفي، وكأنّ المولوي يعرف السماع على نحو جازم لا مراء فيه.
الزي الخاص: يقتصر على اللون الأبيض، وهو رمز للنقاء و يشمل الزي أيضًا قطعة من القماش تغطي الرأس وتعرف باسم «العمامة» أو «الطربوش».
التراتيل والأدعية: قد تترافق رقصة الدراويش مع ترداد التراتيل والأدعية بشكل متواصل، وهدفها تعزيز التركيز والتفاني الروحي.
أوّل امرأة تدخل عالم المولوية
بين ألوان الحياة والموت التي تتمرجح بينها الراقصة سهام مصطفى، تشرح في حديث ل«بيروت تايم»، أنّ الألوان تعكس هذا الصراع بين الحياة والموت، وتقوم بحركة رفع اليد التي تعكس صلة الوصل بينها وبين الله. وتلفت مصطفى إلى أنّها لا تلتزم دائماً بالحركات المتعارف عنها، فبرأيها أنّ هذا الفن يندرج في الفنون المتمثّلة بحركة الجسد، وهو مشهد ممتع ناهيك عن البعد الروحي والتسامح، وما تدعو إليه الأديان.
كانت الطقوس الدينية تسمح للرجال فقط بممارسة الرقصة، ولكن مع تطوّر الأيام، والإنفتاح حيال كلّ ما يتعلّق في مجال المرأة، لم يعُد عيباً عليها إتّقان الرقص «المولوي»، ولكن بطبيعة الحال المفضّل ألّا ترقص الإمرأة في شهر الصوم.
وترى المولوية مصطفى، أنّ الدوران من أهم الحركات التي يقوم بها الدرويش،
لكن الأهم ألّا ينحسر هذا الفن خلال شهر رمضان وحسب، مؤكّدة أنّه يتم إستدعاء الدراويش للرقص في الأعراس أيضاً، حيث يتمتّع المدعوون بهدوء هذا المشهد!
مرجع صوفي
وإستناداً الى المراجع الإسلامية الصوفية، لا يمكن فصل المولوية عن رقصة صوفية لها قواعدها عند المتصوفة، واشتُهرت بأداء الحركة الدوارة حول مركز الدائرة التي يقف فيها الشيخ، حيث يدخل الدراويش ويدورون عكس عقارب الساعة ثلاث مرات، برمزية دوران الآدميين حول الذات وسرّ الذات ونور الذات. ويشير الرقم ثلاثة للدورات إلى مراحل التقرّب من الله، و هي طريق العلم والمعرفة، وطريق الرؤيا، وطريق الوصال أو المشاهدة.
إلى ذلك، للمولوية وجود مستقلّ، وتحوّلت الى فلكور ديني في المناسبات، إذ تمّ تناسي حضورها في المعرفة الصوفية، وفي منظومة الفكر الصوفي النسقيّة في الإسلام، على الرغم من دعوتها إلى التسامح بين الأديان والطوائف.
علاقة الجسد بالمعرفة
من ناحية أخرى، إنّ عدم الوعي بالجسد أثناء الرقص يشير إلى أنّ الجسد يندمج في الوجود ويصبح جزءًا لا يتجزأ من الحالة العامة للوجود. وإذا كان الجسد هو «العقل الأكبر» الذي يخلق الأفكار والأحاسيس، فإنّ ذلك يعني أنّ الجسد يمثل جانبًا مهمًا في الوجود والمعرفة من خلال توحيد المعرفة بالعناصر الحيوية.
وأهمية التناغم في الحركة والرقص. يتجلى في كل يد ممتدة أو دائرة يرسمها خصر الدرويش أو الرأس المرتفع نحو السماء، فالجسد والحركة يعبران عن تجربة شعورية متكاملة ومترابطة مع الوجود.
والرقص المولوي، وإن بدا في الظاهر حركة دائرية بسيطة لا تعقيد فيها، فإنه يختزن رموزاً متكثّرة ودلالات متعدّدة، وهو ذو قابلية عجيبة للتأويل والتخريج، فلكل حركة أكثر من معنى، ولكل إشارة أكثر من مغزى، فهو عميق الدلالات.
بين تقاليد الخيمات الرمضانية وأهمية فن التعبير من خلال الجسد، تجمع رقصة المولوية اليوم الوحدة والتعايش السلمي بين الثقافات والأديان المختلفة، ويشارك فيها الرجال والنساء معاً. لا تزال الطريقة المولوية مستمرة في مركزها الرئيسي في قونية، ويوجد لها مراكز أخرى في إسطنبول، وغاليبولي، وحلب.