قانون الفجوة المالية… الفرصة الأخيرة لإنقاذ الإقتصاد اللبناني
قانون الفجوة المالية… الفرصة الأخيرة لإنقاذ الإقتصاد اللبناني
قانون الفجوة المالية ليس قانوناً مثالياً، لكنه القانون الوحيد المطروح اليوم القادر على إخراج لبنان من حالة الإنكار والفوضى. إما السير به وفتح باب التعافي المنظم، أو البقاء في إقتصاد ميت، بلا مصارف، بلا ثقة، وبلا مستقبل.
وسط الإنهيار المالي الممتد منذ عام 2019، وفي ظل غياب أي خطة جدية لإعادة الإنتظام المالي، يبرز مشروع قانون "الفجوة المالية" بوصفه أول محاولة متكاملة لوضع الاقتصاد اللبناني على سكة التعافي الحقيقي. خلافاً لكل ما سبقه من طروحات شعبوية أو تسويات مؤجلة، لا يقدّم هذا القانون مسكّناً مؤقتاً للأزمة، بل يؤسس لمسار تصحيحي طويل الأمد يعالج جذور الانهيار بدل الدوران حول نتائجه.
جوهر هذا القانون أنه يعيد الاعتبار لمفهوم العدالة المالية. فهو ينطلق من حماية صغار المودعين بشكل كامل، إذ يضمن استرداد الودائع التي تقل عن 100 ألف دولار من دون أي اقتطاع وبفترة زمنية معقولة، ما يشمل نحو 85 في المئة من الحسابات المصرفية في لبنان. هذه النقطة وحدها كفيلة بإعادة جزء أساسي من الثقة المفقودة بين المواطنين والنظام المصرفي، وهي الثقة التي لا يمكن لأي اقتصاد أن يتعافى من دونها.
أما بالنسبة للمودعين المتوسطين والكبار، فيعتمد القانون مقاربة واقعية توازن بين حفظ الحقوق الفردية ومنع الانهيار الشامل. يحصل هؤلاء على جزء نقدي ثابت، فيما يُسدّد الجزء المتبقي عبر سندات قابلة للتداول ومدعومة بأصول حقيقية تعود لمصرف لبنان، وفق جدول زمني واضح. هنا تكمن النقلة النوعية: الودائع لا تتحول إلى أرقام وهمية، بل إلى حقوق مسنودة بأصول فعلية وإيرادات قابلة للتحقق.
الأهم أن هذا القانون يكرّس مبدأ تراتبية تحمّل الخسائر المعتمد دولياً، وهو المبدأ الذي يطالب به صندوق النقد الدولي. المصارف، وأصحابها، ومديروها يتحملون الخسائر أولاً من خلال شطب رساميلهم وتحميلهم كلفة الأرباح غير العادية والهندسات المالية والمكافآت المفرطة والتحويلات المشبوهة التي جرت قبل وبعد الإنهيار. بذلك، ينهي القانون عملياً منطق تحميل المجتمع كلفة سياسات مصرفية خاطئة، ويعيد توجيه المسؤولية إلى حيث يجب أن تكون.
من الناحية الإقتصادية الكلية، يشكل القانون حجر الأساس لأي نهوض فعلي. فهو يضع خارطة طريق واضحة لإعادة رسملة المصارف، وتنظيف ميزانياتها، وإعادة تشغيل القطاع المالي وفق قواعد شفافة. من دون هذا الإطار، لا يمكن جذب أي استثمار خارجي، ولا يمكن استئناف التفاوض الجدي مع المؤسسات الدولية، ولا حتى تحريك عجلة الائتمان الداخلي.
كما أنّ القانون لا يمنح أي غطاء للإفلات من المحاسبة. على العكس، يؤكد صراحة أنّ مسار استعادة الودائع لا يعني العفو عن الجرائم المالية، بل يفتح الباب أمام مساءلة قانونية وغرامات مرتفعة بحق كل من استفاد من الإنهيار أو ساهم فيه. هذه النقطة أساسية لإعادة بناء الدولة، لأنّ الإقتصاد لا يُصلح من دون عدالة، ولا عدالة من دون محاسبة.
في الخلاصة، قانون الفجوة المالية ليس قانوناً مثالياً، لكنه القانون الوحيد المطروح اليوم القادر على إخراج لبنان من حالة الإنكار والفوضى. هو خيار صعب، لكنه أقل كلفة بكثير من إستمرار الإنهيار. إما السير به وفتح باب التعافي المنظم، أو البقاء في إقتصاد ميت، بلا مصارف، بلا ثقة، وبلا مستقبل.

