نتنياهو على طريق المحكمة الجنائية الدولية..
نتنياهو على طريق المحكمة الجنائية الدولية..
مع بدء الحرب على غزّة، منذ 7 تشرين الأوّل، اتّخذت المحكمة الجنائية الدولية، إجراءات فورية وملموسة لتسريع التحقيق في جرائم الحرب. ووثّقت المحكمة الجنائية عدد الصواريخ التي أطلقتها حماس، وغيرها من الجماعات المسلّحة على إسرائيل. وتقوم المحكمة الجنائية الدولية عادة في زمن الحروب برصد الجرائم وإدانتها، فهي هيئة قضائية مستقلّة يخضع لاختصاصها المتّهمين بإرتكاب جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
وفي السياق نفسه، أثار الإعلان عن إحتمال صدور أوامر الإعتقال من المحكمة الجنائية الدولية، في حق قيادات سياسية وعسكرية إسرائيلية جدلًا واسعًا في تل أبيب، ليتصدر الجدل السياسي حتى الساعة إسم رئيس حكومة الحرب بنيامين نتنياهو، ويقع الأخير تحت ضغط كبير بشأن إحتمال صدور مذكرة إعتقال في حقه وضد إسرائيليين آخرين من قبل محكمة الأمم المتحدة في لاهاي، الأمر الذي من شأنه أن يشكل تدهورًا كبيرًا في مكانة إسرائيل الدولية. وبحسب موقع «واللا» الإسرائيلي، يقود نتنياهو «حملة متواصلة عبر الهاتف» لمنع صدور المذكّرة، مركزاً التواصل بشكل خاص مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. كذلك، قد تطال أوامر الإعتقال وزير الدفاع يوآف غالنت.
إلى ذلك، نشير إلى أنّ علاقة المحكمة الجنائية الدولية مع إفريقيا، كانت متقلبة في السنوات الأخيرة. حيث انتقدت بعض الدول الأفريقية المحكمة بشدّة، معتبرة أنّها تستهدفها بشكل مفرط، وأنّها أداة للسيطرة الغربية.
وبين هذا وذاك، تقع المحكمة الجنائية الدولية في إشكالية واسعة ما يطرح السؤال اليوم: هل ما زالت قادرة على تلبية كافة رغبات المجتمع الدولي؟
ليس شرطاً أن تلتزم الدول بقرارات المحكمة الجنائية، خاصّة إذا كانت قطباً مهما في السياسة العالمية. وعلى غرار ذلك، رفعت إيران دعوى قضائية أمام المحكمة، عام 2018، زعمت فيها أنّ الولايات المتحدة إنتهكت معاهدة الصداقة والعلاقات الإقتصادية والحقوق القنصلية لعام 1955 بين البلدين بسبب العقوبات التي فرضتها واشنطن على إيران.
وفي الثالث تشرين الأول من العام ذاته، أصدرت المحكمة قراراً بأنّه «لا ينبغي أن تؤثر العقوبات الأمريكية على الوضع الإنساني في إيران ولا على الطيران المدني»، وهو الحكم الذي أعربت واشنطن عن رفضها الإلتزام به. ومن القضايا البارزة الأخيرة التي اتّخذتها المحكمة، دعوى هولندا وكندا ضد سوريا عام 2023، حيث أصدرت قراراً يدعو سوريا الى اتخاذ جميع الإجراءات الفعالة لمنع التدمير.
أمّا فيما يتعلّق بالشخصيات المتهمة بارتكاب الجرائم في حقّ شعوبها، فإنّ العديد منهم لم يتمّ توقيفهم حتى اليوم، ومن بينهم الرئيس السوري بشار الأسد، وعادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي السابق، وعمر البشير الرئيس السوداني السابق، الذي وجّهت إليه المحكمة التّهم بإرتكاب جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب في دارفور، غير أنّ السودان رفض تسليمه ولم يتمكن المدعي العام من الوصول إليه.
مؤخراً، أصدرت الدائرة التمهيدية الثانية في المحكمة الجنائية الدولية المدعومة من الأمم المتحدة مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد وصفها الأخير بالعديمة الأهمية والباطلة.
في المقابل، تعدّ مذكرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق رؤساء الدول جزءاً من جهود المحكمة لتحقيق العدالة الدولية، على قدر المستطاع وبمثابة قوة ضغط معنوية أكثر منها تطبيقية.
وبالعودة إلى التسعينيّات، أصدرت المحكمة مذكرات توقيف أيضاً في حقّ عدد من الشخصيات البارزة، من بينهم رؤساء دول، وذلك على خلفية ارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لاسيّما في منطقة البلقان حيث توسّعت أنشطة الجنائية الدولية لمحاسبة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، خصوصا في كوسفو والبوسنا.
أمّا اليوم، وبالنظر الى ما يحصل في غزة، تقف المحكمة الجنائية الدولية أمام اختبار جديد، فكيف ستتعامل الدول الأطراف والدول غير الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية مع مذكّرة التوقيف في حال صدرت في حقّ نتنياهو؟