مجرمو «التيك توك».. ضيوف على بعض الشاشات
مجرمو «التيك توك».. ضيوف على بعض الشاشات
مناهضة الإتجار بالبشر بين القانون اللبناني والإتفاقيات الدولية
بعد الكثير من اللامبالاة والتجاهل إستيقظ لبنان على حقيقة صادمة تتعلق بشكل حديث من الجرائم عبر الوسائط التكنولوجية، وهي أنّ بشراً يفترسون بشراً آخرين من أجل المال.
وبعدما إحتلّ موضوع عصابة «التيك توك» مساحة واسعة في الإعلام اللبناني، خاصّة أنّ هذه القضية تنضوي في إطار الإتجار بالبشر وهي قضية إنسانية بإمتياز من الواجب أن تشكّل أولوية للبحث والمتابعة. ولا بدّ من الإشارة هنا ،أنّ طبيعة التغطية الإعلامية لهذا الموضوع إختلفت بين وسيلة إعلامية وأخرى، بينما تتشابك المسائل القانونية في هذا المجال، علماً أنّ القضاء اللبناني يلاحق المتّهمين خارج البلاد، ويبذل جهوداً مستمرة في مسار التحقيقات، حيث إدعى المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان طانيوس صغبيني، على 12 شخصاً في ملف عصابة «التيك توك» كمرحلة أولية. ومن بين هؤلاء، 5 موقوفين. وكذلك، تضمّن طلب الإدعاء الطلب إلى قاضي التحقيق تعميم مذكرات التوقيف على الإنتربول فور صدورها وأرسل طلبي مساعدة قضائية إلى دولتين، إحداهما السويد، التي يشتبه أنّ بول المعوش وبيار نفّاع متواجدان فيها.
وفي لبنان، على الرغم من أنّه على السلطة الرابعة القيام بواجبها الأخلاقي حيال الرأي العام، وتسلّط الضوء على القانون وعمل الإنتربول لملاحقة المجرمين، سلطت بعض الشاشات الضوء على هذه القضية، باعتبارها سبقاً صحفياً و خبراً يخدم إرتفاع نسبة المشاهدة، وهو أمر معاكس لأخلاقيات المهنة من جهة، وللمسار القانوني من جهة أخرى.
ليس من جديد أنّ بعض وسائل الإعلام، تتسابق للحصول على أعلى نسبة مشاهدة على حساب بعض القيم الإجتماعية، وهذا ما نقرأه في بعض العناوين الصفراء أو المقابلات التلفزيونية التي تستضيف المجرمين، وتمنحهم منبراً للتعبير عن آرائهم.
وسمحت بعض الشاشات اليوم أن يقوم المجرم بدور المحامي والدفاع عن النفس في محكمة مزيّفة تتبنّاها حلقة تلفزيونية.. تحت أي حق يسلب الإعلام حقّ القضاء بالمحاكمة، ليحاور متّهمين ملاحقين من قبل الأمن، خاصّة أنّ هؤلاء خارج البلاد ومن شأن الإنتربول ملاحقتهم.
في العادة، يكون مردود البرامج الحوارية على الجمهور إمـا بالإیجـاب أو بالسـلب، مـن منطلـق الـدور الـذي تلعبـه وسـائل الإعـلام فـي المجتمـع مـن حیـث التثقیـف والتعلـیم والترفیـه وتقـدیم المعلومـات والبیانـات والأخبـار. إلى ذلك، یمكـن اغتنام هـذا الـدور فـي توجیـه النقـد للسـلوك الإجرامي والتركیز على نبذ العنف ومعالجته، و ليس بإعطائه هذه المساحة من الحرية للدفاع عن سلوكياته، وحتى لو كان الإعلامي المحاور يتولى المقف الأخلاقي. وكما كان من الأجدر أن يلعب الإعلام اللبناني دوره، في إطار، حثّ القضاء على متابعة العمل وإتّخاذ خطوات سريعة، حتى لا يُرمى ملف عصابة «التيك التوك»، في الأدراج، كما حصل في قضية شبكة« chez Maurice» ، التي مارست عمل الدعارة وتهريب البشر من لبنان.
وفي حديث خاص إلى ««بيروت تايم»، تؤكّد المحامية دينا أبوزور رئيسة منظمة «ريفورم»، في هذا السياق، أنّ هذا النوع من القضايا يقع في دائرة جرم الإتجار بالبشر، ولا بدّ من الإهتمام بهذا النوع من الجرائم.
والجدير بالذكر،أنّ هناك إتفاقيات وبروتوكولات دولية لمناهضة الإتجار بالبشر. منها إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، التي اعتمدت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 55/25 المؤرخ في 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2000، الصك الدولي الرئيسي في مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية. وقد تم فتح باب التوقيع على الاتفاقية من قبل الدول الأعضاء في مؤتمر سياسي رفيع المستوى والذي انعقد لهذا الغرض في باليرمو، إيطاليا، في الفترة من 12-15 ديسمبر 2000 ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 29 سبتمبر 2003. وأُلحق بالاتفاقية ثلاث بروتوكولات تستهدف مجالات ومظاهر محددة للجريمة المنظمة حيث تضمن الآتي: بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الإتجار بالأشخاص، وخاصة النساء والأطفال؛ بروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو. وبروتوكول مكافحة صنع الأسلحة النارية وأجزائها ومكوناتها والذخيرة والإتجار بها بصورة غير مشروعة. ولابدّ أن تكون البلدان أطرافاً في الإتفاقية نفسها قبل أن تصبح أطرافاً في أي من البروتوكولات.
إنضمّ لبنان إلى هذه الإتفاقية عام 2005، وكان من شروط الإنضمام أن تقوم الدولة، بإجراءات معيّنة تظهر مدى إهتمام الدولة لمكافحة جرائم الإتجار.
وتعلّق أبوزور مشيرة إلى أنّ إرتفاع هذه الجرائم داخلياً اليوم، يعود إلى تفاقم الأزمة الإقتصادية في لبنان، وإرتفاع عدد النازحين، وتراكم الملفّات.
وترى أنّ لبنان يتعاطى بجدية بقضية شبكة «التيك توك»، لافتة إلى أنّه كان قد سبق وتمّت مراسلة لبنان من الخارج فيما يخصّ تصوير فيديوهات لأطفال وعرضها على مواقع إباحية، لكن تجاهل هذا النوع من الدعاوى، أوصل لبنان أن يكون بؤراً لهذه الجرائم.
تقع جريمة الإتجار بالبشر في المرتبة الثالثة من الجرائم، ويقدّر أنّ هناك حوالي 27 .6 مليون ضحية حول العالم حتى 19كانون الثاني من العام 2023، حسب الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأميركية
وأضافت أنّه سبق للإنتربول أنّ حذّر وأصرّ على ضرورة التعاون، إذ إنّ هذا ما تفرضه الإتفاقيات الدولية، والمعلوم أنّ هناك آلية قانونية معيّنة عبر الإنتربول لملاحقة المتّهمين.
من المؤسف اليوم أن تستضيف التلفزيونات في برامجها هؤلاء الملاحقين عبر زوم وغيرها، فيما لبنان ملتزم باتفاقية دولية، لمكافحة هؤلاء المجرمين، بوجود القانون رقم 164 الذي يعاقب على جريمة الإتجار بالبشر. بالإشارة، أنّه يشوب هذا القانون ثغرات كثيرة لعدم مواكبته التكنولوجيا الحديثة.