حكاية الفرح

حكاية الفرح

  • ٢٢ أيار ٢٠٢٤
  • تمارا طوق

ليست المهرجانات التي تُقام في لبنان مجرد أحداث ترفيهيّة، ففي كل صيف، يُنشئ لبنان جسراً للتواصل الثقافي والفني والترفيهي بين اللّبنانيين والعالم الخارجي.

يبدو أنّنا سنشهد مرة أخرى  هذا الصيف إفتقاداً لخشبات المسارح وحياة المهرجانات الفنية الدوليّة. فالأوضاع المالية والأمنية الصعبة التي يعاني منها لبنان منذ فترة، تمكّنت من التأثير مباشرة على المجال الثقافي، وهو المجال الوحيد المتبقّي في لبنان، دون تدخّلات سيّاسيّة مباشرة وفسحة الأمل الوحيدة لدى اللّبنانيّين.
لا تُعتبر المهرجانات التي تُقام في لبنان مجرد أحداث ترفيهيّة فحسب. ففي كل موسم صيفي، يُنشئ لبنان جسراً للتواصل والتلاقي الثقافي والفني والترفيهي بين اللّبنانيين وبين العالم الخارجي، سواء الشرق أو الغرب. فمن منَّا لا يعرف زهرة المدائن لفيروز، وسكن اللّيل وأعطني الناي وغنِ، التي أطلقت في ستينيّات القرن الماضي في مهرجانات الأرز الدوليّة، وباتت رمزاً وإرثاً، واجتمع فيها في نفس الوقت الرحابنة وعبد الوهاب وكلمات جبران خليل جبران وفيروز وسعيد عقل. هذا لنقول أنّ مهرجانات لبنان العريقة هي بوابة للإنفتاح على العالم وعلى الإبداع.

توقفّ بعضها مع مرور والوقت و استمرّ البعض الآخر واستحدث الجديد منها . ففي كل صيف، يغلي لبنان بالمهرجانات والسهرات. ويتم تنظيم حفلات يحييها فنانون عرب وعالميّون كبار، تُقدم فيها أعمال فنيّة مرموقة. إلى جانب أعمال ثقافيّة وفنيّة تعكس الإرث الثقافي اللبناني بأيدي فنانين لبنانيين بارزين من خلال عروض مسرحية وموسيقية رائعة.

بداية من مهرجانات بيت الدين، إمارة الشهابيين التي ستكون غائبة هذه السنة والسبب هو الوقت العصيب الذي تمر فيه البلاد وتحديداً جنوب لبنان كما فلسطين والعنف الذي يعيشه مواطنو هذه المنطقة المحتلّة. فمنذ 1984، ومهرجانات بيت الدين كانت الصورة الحضاريّة المميّزة للبنان، صورة التنوّع. فيروز، روبرتو ألاجنا، صباح فخري، شارل أزنافور، مسرح كركلا للرقص، ماريا كاري، ماجدة الرومي، مونسرات كابليه، كاريراس، بروغوفيتش وغيرهم، أسماء عالميّة لمعت وزيّنت مسرح بيت الدين.
لكن الوضع هذه السنة في بيت الدين يختلف عن السنوات الماضية ستقام فقط معارض للفنون في باحات قصر بيت الدين الأثري، وستخلو مقاعد المسرح من  1200 شخصاً الذين تعوّدوا الإستمتاع بأجواء السحر والفن خلال هذا المهرجان الغني الثقافي.
ولننتقل إلى شرق لبنان مدينة الشمس التي تقيم مهرجاناتها في الانتروبول اليوناني القديم حيث يتلاقى التراث والتاريخ والثقافة.  بعلبك عاصمة المهرجانات منذ 1955  رمز لتطوّر الثقافة الفنيّة الّلبنانيّة من على مدارجها ترك الأخوين رحباني وفيروز إرثاً فنيّاً إستثنائيّاً. وعبر السنوات، إستقبلت قلعة بعلبك أوركسترا نيويورك وبرلين، وأم كلثوم، وموريس بيجار، وروميو لحود، وفيروز وصباح، ونصري شمس الدين ووديع الصافي،مروان نجار، وعبد الحليم حافظ، وعبد الحليم كركلا... أسماء لا داع للتعريف عنها. أسماء بنفسها تستطيع أن ترينا كيف كانت الصورة الحضارية في شرق لبنان.  أمّا بما يخص الوضع الأمني الراهن فمنطقة البقاع تتعرّض لقصف عدواني، و القرار في إقامة المهرجانات ما زال معلقاً حتّى اللحظة. «الأوضاع تتّجه نحو الإيجابيّة لكن لا قرار بعد» هذا ما قاله عضو لجنة مهرجانات بعلبك حمد ياغي. 
وبالنسبة لمهرجان بيبلوس مدينة الحرف. المدينة التي سوف تتحدّى الأيام العجاف و تستعد لإقامة مهرجانها في ميناء المدينة الأثريّة ذات المعبد الفنيقي والمسرح الروماني والقلعة الصليبيّة والسوق القديمة، فالبرنامج يُعد والإعلان عنه سيتمّ فور انتهاء التصميم، وإحتمال إلغاء المهرجان هو أمر مستبعد، لكن الأوضاع الأمنيّة المفاجئة من الممكن أن تعرقل. ومهرجانات بيبلوس لها باع طويل في رسم صورة لبنان الحضارية فقد إعتلى على مسارحها الكثير من المبدعين، من سلوى القطريب وروميو  لحود عام 1987، الى هبة طوجي 2023، ومشروع ليلى، وكورال فيلوكاليا.. و مهرجان بيبلوس الدولي يتسقطب آلاف من السياح من جميع أنحاء العالم ناقلاً المشهد الثقافي اللّبناني العريق من لبنان نحو العالميّة. أكثر من 2500 شخصاً يتهافتون إلى جبيل للتفاعل مع الأذواق والفنون والإبداع والتاريخ.
كل هذه المهرجانات وغيرها ارتبط بصورة لبنان المزدهر والسياحة الناشطة والفرح والأيام ،والّلحظات الجميلة، رغم الحروب التي  أوقفتها مراراً وما تلبث أن تعود من جديد رغم الصعاب وما تبقّى إلّا الأمل الدائم في محاربة الإنكفاء عن العالم، ومحاربة الإنكفاء عن الحياة الطبيعيّة، ومحاربة الموت والعنف المتكرّر . فما من بديل للألم والمعاناة سوى الجمال والفرح.