البحر مسلوب من مواطنيه إكراماً لزعماء الحرب

البحر مسلوب من مواطنيه إكراماً لزعماء الحرب

  • ٠٣ حزيران ٢٠٢٤
  • غادة حدّاد

يتباهى اللبنانيون بمقولة «بدنا نص ساعة من الجبل للبحر». وهذا صحيح، حيث يفصل قرى المتن الشمالي مثلاً، نصف ساعة عن البحر، لكن الشاطئ مقفل أمام المواطنين. عام 1990، انتهت الحرب صورياً، وسيطرت الميليشيات على البحر والملك العام.

في المبدأ البحر ملك عام، ويجب أن يكون متاح لجميع المواطنين، دون تمييز أو منع، تجسيداً لحق المواطنين بمدينتهم. وعوضاً عن أن يكون البحر متنفساً للسكان، بات مصدر ربح لفئة الواحد في المئة من اللبنانيين، وهم مجموع من المحظيين والنافذين، بغطاء من زعماء الحرب الأهلية.

بدأ إقفال الشاطئ في فترة الحرب الأهلية، حيث قامت المليشيات بالتعدي على الأملاك البحرية، بحجة أنّه لا دولة لأخذ تراخيص، رغم وجود قرار 1925 لديه قوة القانون، يحدد ماهية الأملاك البحرية وكيفية التصرف بها. أزيلت بعض التعديات، تحديداً لمن لم يكن مدعوماً، مثل بيوت الصيادين على دالية الروشة في منطقة عين المريسة، كما هدمت شاليهات، وفي العام الماضي، ساهم عمل الجمعيات البيئية بإزالة تعديات على شاطئ تحوم، تعود لزياد باسيل. فيما لا تزال آثار التعدي الذي أزيل حتى اليوم على صخور بحر كفرعبيدا.

وينصّ قانون رقم 144/س الصادر عام 1925 عن المفوض السامي الجنرال موريس ساراي، على أنّ الأملاك العامة البحرية تشمل «شاطئ البحر حتى أبعد مسافة يصل إليها الموج في الشتاء وشطوط الرمل والحصى. والغدران والبحريات المالحة المتصلة رأساً بالبحر، ومجاري المياه من أي نوع كانت ضمن حدودها المعينة بخط ارتفاع مياهها الجارية في حالة إمتلائها قبل فيضانه، والمياه الجارية تحت الأرض والينابيع من أي نوع كانت، وكامل ضفاف مجاري المياه أي القطعة من الأرض الكائنة على طول مجاريها والتي تمكن من السهر عليها وتنظيفها والمحافظة عليها، والبحريات والغدران والبحرات ضمن حدودها المعينة بموجب مستوى أعلى ما تصل إليه المياه قبل فيضانها ويضاف إليها على كل ضفة للمرور قدرها عشرة أمتار عرضا إبتداء من هذه الحدود، والشلالات الصالحة لتوليد قوة محركة».

بحسب رئيس جمعية «نحن»، لا يمكن تملّك الأملاك العامة مع مرور الزمن، فيما القانون يتحدث عن إشغال الأملاك البحرية، ويضيف في حديث لـ «بيروت تايم» أنّه في القانون غالباً هناك إيجار، أو بيع-شراء، أو إستثمار، لا تجوز في الأملاك البحرية هذه المصطلحات الأربعة، بل يستخدم كلمة «إشغال»، أي إعطاء حق الإشغال لفترة معينة، لكن في لحظة إلغاء الإتفاق، يترك الطرف الثاني الملك، لأنّ هذا إشغال على سبيل التسامح.

الدولة تسمح بالإشغال وتسميه مؤقت، وعليه ليس إشغالاً دائماً، ويمكن تمديده لسنة، وهذا يدل أنّه في روحية القانون يمنع استخدام الباطون، بحسب أيوب، ويكمل «الدولة تسمح بالإشغال المؤقت لأنّ الدولة لا تقدم خدمات عامة لرواد الشطّ، كما الحال في كل دول العالم، وهذه مسؤولية وزارة الأشغال بشكل أساسي لأنّها الوصي على الأملاك العامة البحرية».

لكن في الواقع، تقوم بعض البلديات بتقديم الخدمات على الشواطئ، كما يحصل في جبيل وصور، ويفترض أن يتمّ الأمر بالتنسيق مع الوزارة، لكن في صور مثلاً قامت البلدية بوضع خيم ومواقف سيارات، دون موافقة وزارة الاشغال، أي بالقوة، وأبقت البحر عاماً، ويضيف أيوب «نفذت البلدية المشروع بطريقة جيّدة، لأنّ البحر مصنّف محمية، لذلك لم يتمكنوا من البناء بواسطة الباطون، ووضعت البلدية كيوسك حديد، وبحسب خطة وزارة الاشغال هو مسبح عام، وحكماً الناس بإمكانها إستخدام كل خدمات الوزارة».

في جبيل حاول النائب زياد حواط فتح البحر، عندما كان رئيساً للبلدية، لكنه اصطدم بالحدود السياسية، بعد أن أقفل Edde Sands البحر بالكامل، فألزمه على التراجع، وأزيلت العوائق، ورغم ذلك لم يكن الامر كافياً. لكنه فتح ممراً على شاطئ الرمل أمام رواد السباحة، كسراً لقرار المنتجعات الخاصة والسماح بالولوج إلى الشاطئ دون الدفع مسبقاً لهم.

يمتد البحر على طول 220 كلم 2، هناك قدرة على الوصول هي بنسبة 40 في المئة، لكن نصفها مياه آسنة. أما المياه النظيفة والمفتوحة أمام الناس فهي بنسبة 20 في المئة أي 40 كلم 2. وبحسب تقرير رفعته وزارة الأشغال العامة والنقل الى رئاسة الحكومة عام 2012، تبين وجود 1141 تعدياً، من بينها 73 تعدياً مرخصاً. واليوم، لا يمكن ارتياد البحر مجاناً سوى في صور وجبيل وكفرعبيدا وانفه.

بعد إنتهاء الحرب، إستمر التعدّي على الأملاك البحرية، وصدر 70 مرسوماً، قوننوا من خلالها التعديات، من اصل اكثر من 1000 تعدي، بحجة أنّ القرار 1925 سمح بالاشغال، يقول أيوب، في الوقت الذي تصنف هذه الإنشاءات إستثماراً، أما روحية المادة فتقول أنّه يسمح بالاشغال المؤقت وللمنفعة العامة، فيما طبيعة التعدي هي إستغلال الملك العام ومنع الناس من الوصول إليه. وما يجري اليوم فهو استثمار وهو مخالف للقانون. أكبر التعديات هي في المتن، البحر أقفل تماماً بوجه الناس، وتدريجياً بدأت التعديات على مناطق أخرى، حسب الاهتمام، من جونية إلى جبيل والآن البترون.

وفي حال قرّر أحد المواطنين رفع دعوى لعدم قدرته على الوصول إلى البحر، سيربح الدعوى، لكن لا يمكن تنفيذه، هناك قرارات قضائية عدة في هدم التعديات وفتح الطرقات، ولم ينفّذ منها أي قرار.

التدمير الممنهج للشاطئ، رافقه حملة تروّج لفكرة أنّ البحر ملوث والمنتجعات هي البديل الأنظف، وهذا يقع ضمن منطق أنّ الدولة فاشلة ويجب التوجه إلى القطاع الخاص لتأمين الخدمات، من جمع النفايات إلى تحسين البنى التحتية وخدمات الهاتف وغيرها من الخدمات، ويضيف أيوب «الدولة إستقالت من عملها، ففي كل دول العالم الدولة تنظم البحر، لكن في لبنان لا تقوم بواجباتها».

في جلسة لمجلس الوزراء في شباط 2024، أصدر مرسوم لتعديل يقضي بتعديل سعر المتر المربع على الإشغال المؤقت للأملاك العمومية البحرية، وتضاعفت قرابة الـ 64 مرة فقط، على اعتبار أنّ إيجار المتر الواحد يتراوح بين 50 ليرة و1000 ليرة، في المقابل حقّق أصحاب هذه المنتجعات أرباحاً طائلة من الملكية العامة، دون دفع ضريبة على ربحهم.