هل انتهت صلاحية حقوق الإنسان؟
هل انتهت صلاحية حقوق الإنسان؟
هل انتهت صلاحية هذه الحقوق في عالمٍ القوة والسيطرة وأصبحت المؤسسات الدولية عاجزةً عن حماية الإنسان في زمن تفشّي الظلم والإفلات من العقاب وإزدواجية المعايير؟
أبصرت شرعة حقوق الإنسان النور بعد ثورة 1789 الفرنسيَّة، التي وضعت مبادئ الحريَّة والمساواة والعدالة ووصلت إلى كل أصقاع العالم. بين تلك الشرعة ووقتنا الحالي، مسافة وجفاف وتناقض. فكانت حروب واحتلالات وانتدابات وأوبئة ومجاعات وفورة تكنولوجية، وتغيرات مناخية. نتحدث عن عالم صورته مغبّشة من شماله إلى جنوبه، من المكسيك إلى أميركا الوسطى، ومن ﭬنزويلا إلى الأرجنتين، ومن ضفاف المتوسط إلى إفريقيا؛ ومن مصر إلى بلاد الشام وما بين النهرين وصولاً إلى اليمن، الى مخيمات اللجوء التي تبتلع الملايين .
«حقّنا».!؟ ومن نحن أصلاً!؟ وهل الحقّ يُطبق بالمساواة على الجميع أم أنّه حِكْر على أصحاب القوّة والثروة والنفوذ؟ سؤال وجيه يُطرح بعد أعوام طويلة على صدور «الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان». إعلان للأسف بات حبرًا على ورق وأصبح تحقيق بنوده حلمًا مستعصيًا.
ما يحصل في كل من فلسطين وأفغانستان والعراق وأفريقيا، يؤكّد أنّ الأمم المتحدة باتت تحت العناية الفائقة ولا يمكن الاعتماد عليها بأي من مقرراتها. ونذكر على سبيل المثال لا الحصر جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين. فمنذ السابع من أكتوبر، يحصل نقاش كبير حيال شرعة حقوق الإنسان التي تحكم النزاعات المسلّحة والاحتلال العسكري. ناهيك عن أنّها ملزمة لطرفي النزاع أي إسرائيل وحماس ولا يسري عليها مبدأ المعاملة بالمثل، وبالتالي تنطبق قواعدها بغض النظر عن تصرفات الطرف الآخر.
وينصّ القانون الإنساني الدولي على أنّ دولة الاحتلال لا تكتسب السيادة على الأراضي المحتلّة. كما يتعيّن على سلطة الاحتلال ضمان معاملة السكان بشكل إنساني وتأمين الغذاء والرعاية الطبيّة. هذا وتتمثل القاعدة الأساسيّة في القانون الإنساني الدولي أثناء النزاعات في أنّ جميع الأطراف ملزمة بالتمييز في كل الأوقات بين المقاتلين والمدنيين. ولا يجوز أبدا استهداف المدنيين والأعيان المدنيّة بالهجمات؛ ويمكن للأطراف المتحاربة فقط استهداف المقاتلين والأعيان العسكريّة.
وفي هذه الحالة ووفقا للقانون الإنساني الدولي، يجب على إسرائيل، باعتبارها سلطة الاحتلال، ضمان تلبية الاحتياجات الأساسيّة لسكّان غزّة، مثل الغذاء والماء. هذا نظريًا ولكن عمليًا إسرائيل تستخدم التجويع كسلاح حرب في غزة وتضرب بعرض الحائط كل القوانين الدولية.
وعلى صعيد متصل، تنتهك إسرائيل قوانين الحرب باستخدامها الغارات الجويّة والهجمات الصاروخيّة مستهدفة المدنيين، وتُعتبر جرائم حرب إذا نُفذت بنية إجرامية ومع سابق إصرار وتصميم.
كل من يرتكب جريمة حرب يتحمل المسؤولية الجنائيّة، وكذلك المسؤولون عن إصدار أوامر بارتكاب جرائم حرب أو المساعدة على ارتكابها أو تسهيلها. قد يتحمل القادة والزعماء المدنيون أيضا المسؤولية الجنائيّة بموجب مبدأ مسؤولية القيادة إذا كانوا على علم أو كان عليهم أن يعلموا بجرائم ارتُكبت من دون منعها أو معاقبة المتورطين فيها بالشكل المناسب.
وحدد الإعلان العالمي لشرعة حقوق الإنسان، حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالميًا. ومنذ اعتماده في عام 1948، تُرجم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى أكثر من 500 لغة، إذ يعد الوثيقة الأكثر ترجمة في العالم. كما ألهم دساتير العديد من الدول المستقلة حديثًا والعديد من الديمقراطيات الجديدة، وفقا لمنظمة الأمم المتحدة.
وعلى الرغم من أنّ الإعلان ليس بوثيقة ملزمة، إلا أنه يشكل أيضا مصدر إلهام لإعداد أكثر من 60 صكًا من صكوك حقوق الإنسان، تشكل مجتمعة معياراً دوليًا لحقوق الإنسان.
وينص الإعلان على 30 حقًا عالميًا، ويشمل أيضا مختلف الحقوق المدنية والسياسية للأفراد والجماعات، كالحق في الحياة والحرية والخصوصية، ويشير إلى عدد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مثل الحق في الضمان الاجتماعي والصحة والسكن اللائق والعدالة في الأجور والحق في التصويت وغيرها.
ويسلط الإعلان الضوء أيضًا، على قيم حرية الرأي والتعبير والاحترام المتبادل، من دون تمييز على أساس الجنسية أو مكان الإقامة أو الجنس أو الأصل الوطني أو العرقي أو الدين أو اللغة أو أي وضع آخر.
وتقول الوثيقة في مادتها الأولى: "يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء".
في الخلاصة، علينا أن نقر بأنّ إنجازات عدة حققت بعيد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إقليميًا ودوليًا. ولكن في عصرنا الحالي، يُعّد التطرق إلى الإنسان وحقوقه في عالم يسود فيه الاجرام وانتهاك أبسط حقوق الإنسان جدلاً عقيماً لأنّ القوانين باتت شعارات رنانة لا تكترث للملايين الذين يموتون كل دقيقة من جراء الفقر والجوع والتعذيب.
وينبغي إنصاف الأمم المتحدة أيضاً التي كانت ذات يوم شغلها الشاغل "قضايا الإنسان وهمومه" ولكن اليوم رغم أنّها أصبحت عجوزاً غير قادرة حتى الاهتمام بنفسها، طغت على قراراتها المتناقضة أحياناً ازدواجية صارخة، تبقى السبيل الوحيد الذي قد تأمل به الشعوب الضعيفة لحمايتها.