درس من التاريخ.. ناصيف النصّار وحسن نصرالله
درس من التاريخ.. ناصيف النصّار وحسن نصرالله
بالمقارنة مع بقية الطوائف، لا يُعرف الكثير عن قادة الشيعة وأحوالهم في تاريخ لبنان، إلا أن التاريخ الشعبي المتوارث اصطفى شيخاً مقداماً ومحارباً فذاً قاد شيعة جبل عامل وأعلى رؤوسهم، وحمل، في الوقت عينه، الكثير من أوجه الشبه مع الأمين العام الراحل لـ«حزب الله» حسن نصرالله.
في العام 1749، تولى عميد عشائر جبل عامل وشيخهم ناصيف النصّار السلطة في أقصى الجنوب اللبناني. لم يكن لبنان قد تشكّل كما هو اليوم، إلا أنّ القرى الجنوبية، المعروفة بالقرى العاملية نسبةً لجبل عامل المتاخم للأراضي الفلسطينية، راحت تعزز حضورها العسكري والإقتصادي والاجتماعي، تماماً كما عزّز حسن نصرالله من حضوره في صلب المجتمع الشيعي، ونفوذ هذا الأخير في لبنان، ورفع رأسه مقابل بقية الطوائف.
بنى النصّار قلاعاً وأخذ من قلعة تبنين مقراً له. آمن أنّ العمل السياسي لا يمكن أن يكون ذا نتيجة دون مقدرة عسكرية. وهذا ما آمن به نصرالله على كل حال؛ فالسياسة دون إمكانية ممارسة العنف تبقى ضحلة ولذوي النوايا الطيبة والبسطاء. لولا بقاء سلاح «حزب الله» بعد «اتفاق الطائف»، لما رأى الشيعة رفعة ولا مقاماً في لبنان. المتقدم في السياسة اللبنانية غالباً ما يكون صاحب البنية العسكرية الأقوى. هكذا علمنا التاريخ، منذ ثورة طانيوس شاهين وعدوّه اللدود يوسف بك كرم، وصولاً إلى كامل الميليشيات اللبنانية على أشكالها خلال الحرب الأهلية.
وعلى مثال النصّار، خاض نصرالله الكثير من المعارك وانتصر فيها. ساهم في إخراج الجيش الإسرائيلي من لبنان عام 2000، كما أبلى بلاءً حسناً في «حرب تموز» عام 2006. أما النصّار، فقاتل عام 1771 في «معركة حولا» والي دمشق عثمان باشا، وقاتل الوالي نفسه المتحالف حديثاً مع الأمير يوسف الشهابي في «معركة كفرمان»، وانتصر فيهما.
للرجلين أعداء داخليون كما خارجيون. حارب النصّار السلطنة العثمانية وولاتها المتمركزين في صيدا وعكا ودمشق، كما قاتل بضعة مشايخ من الشيعة وعشائر محلية حاولت الإستقواء عليه. غلب جميع أعداء الداخل، تماماً كما غلب نصرالله، بالفعل، أعداءه الداخليين. من كان يظن أنّ هناك أحداً في الداخل اللبناني كان قادراً على فعل أي شيء جدي ومانع لتسيّد نصرالله وحزبه على السلطة فقد كان واهماً بكل ما في الكلمة من معنى.
استهوت النصّار القلاع والسراديب والمغاور، فحصّنها وزاد عددها وحوّلها إلى مراكز عسكرية رابط فيها هو وجيشه. بدوره، أحب نصرالله السراديب والملاجئ وكل ما يُبنى تحت الأرض. استخدم الرجلان الطبيعة الجغرافية الصعبة والمعقدة للجنوب اللبناني كميزة عسكرية ضد «أعداء الخارج»، ونجحا في ذلك.
لكن الرجلين أخطآ حد التشابه ولقيا حتفهما بسبب الخطأ الذي ارتكباه. راح نصرالله ضحية أسباب أربعة: الأول هو دخوله في حرب لا شأن له فيها وفي توقيت لم يختاره هو بل فرضه الإسرائيلي عليه، نتيجة بدء غزوه لقطاع غزة بعد أحداث «طوفان الأقصى». أما الثاني، فيعود لتخلّي راعيه الإقليمي عنه، إذ بدت إيران بعيدة جداً عن أي عمل حقيقي يحمي ظهر نصرالله. ثالثاً، خاض نصرالله الحرب الحالية وقسم كبير من قواته العسكرية بعيد، أكان في سوريا أو في بلاد عربية أخرى. أما السبب الرابع، فهو زلة وقع فيها نصرالله قائمة على توهمه بفائض القوة والثقة المفرطة بالنفس، فتصرف كصنو لإسرائيل وذهب ضحية عملية عسكرية مباغتة. ذلة نصرالله الحقيقية هي إيمانه بأنه سينتصر مهما كان الظرف.
على المنوال نفسه، خسر النصّار حياته لأسباب أربعة متشابهة. الأول كان بسبب دخوله الحرب ضد جيش أحمد باشا الجزار، في توقيت أراده هذا الأخير وأجبر النصّار عليه. أما الثاني، فكان خسارته للحلفاء في عكا وصيدا، وبقاؤه وحيداً. أما الثالث، فكان خروجه إلى الحرب قرب قرية يارون مع حوالي 470 مقاتلاً فقط، توفوا بمعظمهم خلال القتال، فيما كانت قواته الباقية ترابض في أماكن بعيدة. أما رابعاً، فإنّ الغرور والإحساس بفائض القوة الذي كان قد تملكه، حيث أحس النصّار بأنّ معاركه ستنتهي دوماً بالنصر. ولكنه انتهى عام 1871، بعد أن زلت أرجل فرسه على بلاطة صخرية في المعركة، فأتته رصاصة من أحد جنود الأعداء وأصابته بمقتل.
على أطراف بلدة يارون العاملية، لا تزال تلك البلاطة في مكانها شاهدة على نهاية ناصيف النصّار، الذي رفع من مقام مجتمعه وبيئته وعشائره التي تسيّد عليها. غداً، في مكان ما، سيُرفع تمثال أو نصب لنصرالله، فيكون شاهداً على غياب الرجل وما حمله من مشروع جعل طائفته الأكثر قوة بالمقارنة مع أقرانها.
غياب النصّار أدخل الشيعة في غياهب الزمن والكثير من الذُل والانزواء. بقوا على هامش الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية اللبنانية، وطبعاً خارج دائرة صنع القرار اللبناني. تطلب الأمر حوالي 150 سنة حتى يستعيدوا مجدهم، فكم من سنوات سننتظر حتى نرى زعيماً حقيقياً جديداً لتلك الجماعة.. أو حتى لغيرها؟
بنى النصّار قلاعاً وأخذ من قلعة تبنين مقراً له. آمن أنّ العمل السياسي لا يمكن أن يكون ذا نتيجة دون مقدرة عسكرية. وهذا ما آمن به نصرالله على كل حال؛ فالسياسة دون إمكانية ممارسة العنف تبقى ضحلة ولذوي النوايا الطيبة والبسطاء. لولا بقاء سلاح «حزب الله» بعد «اتفاق الطائف»، لما رأى الشيعة رفعة ولا مقاماً في لبنان. المتقدم في السياسة اللبنانية غالباً ما يكون صاحب البنية العسكرية الأقوى. هكذا علمنا التاريخ، منذ ثورة طانيوس شاهين وعدوّه اللدود يوسف بك كرم، وصولاً إلى كامل الميليشيات اللبنانية على أشكالها خلال الحرب الأهلية.
وعلى مثال النصّار، خاض نصرالله الكثير من المعارك وانتصر فيها. ساهم في إخراج الجيش الإسرائيلي من لبنان عام 2000، كما أبلى بلاءً حسناً في «حرب تموز» عام 2006. أما النصّار، فقاتل عام 1771 في «معركة حولا» والي دمشق عثمان باشا، وقاتل الوالي نفسه المتحالف حديثاً مع الأمير يوسف الشهابي في «معركة كفرمان»، وانتصر فيهما.
للرجلين أعداء داخليون كما خارجيون. حارب النصّار السلطنة العثمانية وولاتها المتمركزين في صيدا وعكا ودمشق، كما قاتل بضعة مشايخ من الشيعة وعشائر محلية حاولت الإستقواء عليه. غلب جميع أعداء الداخل، تماماً كما غلب نصرالله، بالفعل، أعداءه الداخليين. من كان يظن أنّ هناك أحداً في الداخل اللبناني كان قادراً على فعل أي شيء جدي ومانع لتسيّد نصرالله وحزبه على السلطة فقد كان واهماً بكل ما في الكلمة من معنى.
استهوت النصّار القلاع والسراديب والمغاور، فحصّنها وزاد عددها وحوّلها إلى مراكز عسكرية رابط فيها هو وجيشه. بدوره، أحب نصرالله السراديب والملاجئ وكل ما يُبنى تحت الأرض. استخدم الرجلان الطبيعة الجغرافية الصعبة والمعقدة للجنوب اللبناني كميزة عسكرية ضد «أعداء الخارج»، ونجحا في ذلك.
لكن الرجلين أخطآ حد التشابه ولقيا حتفهما بسبب الخطأ الذي ارتكباه. راح نصرالله ضحية أسباب أربعة: الأول هو دخوله في حرب لا شأن له فيها وفي توقيت لم يختاره هو بل فرضه الإسرائيلي عليه، نتيجة بدء غزوه لقطاع غزة بعد أحداث «طوفان الأقصى». أما الثاني، فيعود لتخلّي راعيه الإقليمي عنه، إذ بدت إيران بعيدة جداً عن أي عمل حقيقي يحمي ظهر نصرالله. ثالثاً، خاض نصرالله الحرب الحالية وقسم كبير من قواته العسكرية بعيد، أكان في سوريا أو في بلاد عربية أخرى. أما السبب الرابع، فهو زلة وقع فيها نصرالله قائمة على توهمه بفائض القوة والثقة المفرطة بالنفس، فتصرف كصنو لإسرائيل وذهب ضحية عملية عسكرية مباغتة. ذلة نصرالله الحقيقية هي إيمانه بأنه سينتصر مهما كان الظرف.
على المنوال نفسه، خسر النصّار حياته لأسباب أربعة متشابهة. الأول كان بسبب دخوله الحرب ضد جيش أحمد باشا الجزار، في توقيت أراده هذا الأخير وأجبر النصّار عليه. أما الثاني، فكان خسارته للحلفاء في عكا وصيدا، وبقاؤه وحيداً. أما الثالث، فكان خروجه إلى الحرب قرب قرية يارون مع حوالي 470 مقاتلاً فقط، توفوا بمعظمهم خلال القتال، فيما كانت قواته الباقية ترابض في أماكن بعيدة. أما رابعاً، فإنّ الغرور والإحساس بفائض القوة الذي كان قد تملكه، حيث أحس النصّار بأنّ معاركه ستنتهي دوماً بالنصر. ولكنه انتهى عام 1871، بعد أن زلت أرجل فرسه على بلاطة صخرية في المعركة، فأتته رصاصة من أحد جنود الأعداء وأصابته بمقتل.
على أطراف بلدة يارون العاملية، لا تزال تلك البلاطة في مكانها شاهدة على نهاية ناصيف النصّار، الذي رفع من مقام مجتمعه وبيئته وعشائره التي تسيّد عليها. غداً، في مكان ما، سيُرفع تمثال أو نصب لنصرالله، فيكون شاهداً على غياب الرجل وما حمله من مشروع جعل طائفته الأكثر قوة بالمقارنة مع أقرانها.
غياب النصّار أدخل الشيعة في غياهب الزمن والكثير من الذُل والانزواء. بقوا على هامش الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية اللبنانية، وطبعاً خارج دائرة صنع القرار اللبناني. تطلب الأمر حوالي 150 سنة حتى يستعيدوا مجدهم، فكم من سنوات سننتظر حتى نرى زعيماً حقيقياً جديداً لتلك الجماعة.. أو حتى لغيرها؟