حزب الله وحماس...ملهاة محور كامل

حزب الله وحماس...ملهاة محور كامل

  • ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٤
  • نبيل مملوك

هل ستنخرط الفصائل المسلحة في الدولة وتتخلى عن نبرة الدويلة أم ستستمر في سرديّة القتال الأسطوري والتفاوض من الأنفاق ووضع الشروط وتلقّي شروطًا مضادة.

 
شكلت الضربات الإسرائيلية أو «الحرب السابعة» على لبنان كشفاً مباشراً لظهر محور إيران فتفجير «البايجر» و«الهوكي توكي» الى جانب إغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. لم تكن صفعة مؤلمة لحزب الله وحده فحسب، بل أثرّت على باقي فصائل المحور،لا سيّما حركة حماس التي أعلن رئيسها في الخارج خالد مشعل وبعد إراقة دماء أكثر من 42 ألف شهيد إنتصار الحركة على إسرائيل. تلا ذلك خطاباً لنائب أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم والذي جاء متخللاً أو بالأحرى متأرجحاً ما بين التشبث بالميدان والتفويض السياسي. ما كشف أيضاً عدم جهوزية الحزب الكاملة وعدم التعافي التام بعد اغتيال قادته وبقاء الوحدات التابعة له في لبنان تقاتل بشكل لا مركزي منفصلة عن أي دعم عسكري قيادي أو لوجستي إثر التهجير والقصف الإسرائيلي على القرى الحدودية.عوامل تضعنا أمام فكرتين: الأولى واقع حزب الله وتداعيات تخبّطه الميداني والسياسي والإعلامي، أما الثانية فهي حماس وجنوحها نحو التفاوض.
حزب الله بين إدارة إيران والإدارة الذاتيّة
في عالم إدارة المؤسّسات والأعمال، تلجأ المؤسسات المحليّة الصغيرة إلى ما يسمّى بال «auto management » أو الإدارة الذاتيّة للتخفيف من الأعباء الماليّة على خزينة المؤسسة والتي قد تُستنزف بسبب
 تعيين طاقم إداري جديد، التجربة تعيد نفسها اليوم مع حزب الله الذي  تعاني راعيته ومموّلته الأساسية «طهران» من نزيف اقتصاديّ ومالي نتيجة العقوبات الأميركيّة والأوروبيّة، فضلًا عن محاولة المرشد الإيراني الأعلى للجمهوريّة الاسلاميّة علي خامنئي ومنذ اغتيال رئيس جمهوريّة إيران الأسبق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيّته حسين أمير عبد اللهيان، أن يجعل سياسة طهران الخارجيّة دمية متبرّجة بالدبلوماسيّة واللغة الناعمة التي أوصلت رئيس إيران الحالي مسعود بزشكيان إلى القول بشكل مباشر:
« نحن والأميركيّون أخوة»، يذكرنا هذا التصريح بسرديّة قابيل وهابيل الأخوين اللذين عمّدا منطق الدم في سبيل انتزاع البقاء، فقابيل اليوم قد يكون العم سام تجاه «هابيل» طهران، وقد تكون المعادلة أيضًا 
« قابيل  = إيران، هابيل= بلاد الشام واليمن والسودان أيضًا».
يدرك مرشد إيران أنّ فلسطين لم تعُد صالحة للإستثمار السياسيّ، فعمّم سرديّة وقف اطلاق النار عبر كلمة نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، رغم استباقها بخطبة جماهيريّة أكّد فيها على وحدة الصفّ الشيعي ( وهو المستغرب والذي يطرح تساؤلًا: هل بدأت طهران تخشى أن تتكرّر مآسي ما قبل انتخاب الرئيس نبيه بري عام 1992 رئيسًا لمجلس النوّاب) وما اتحاد حماس والجهاد مع حزب الله لمواجهة العدو الإسرائيلي في غزّة والجنوب.
يدرك الخامنئي أيضًا أنّ الحزب أصبح أداة تجنح نحو الإدارة الذاتيّة تدير نفسها بنفسها، بكلمات أمينها العام الشهيد الذي كان صادقًا الى حدّ عدم توقّعه أنّه قد يصبح الثأر له مجرّد صواريخ لم نعرف ماذا أصابت وماذا ستكلّف طهران.
حزب الله اليوم يدير سرديّته يحاول إبقائها عبر منطق «الفدائيّة» منتظرًا إمّا التفاوض لوقف اطلاق النار أو إستنزافه، أو ربّما تغيير منهجيّته من العسكريّة إلى السياسيّة التشريعيّة التنفيذيّة.

حماس وسيناريو ال1982
بعد عام على عمليّة السابع من أكتوبر اختارت حركة حماس التفاوض بشقيه: 
- المباشر : مع حركة فتح غريمتها التي شكّلت وفدًا إلى القاهرة برئاسة محمود العالول نائب رئيس حركة فتح
- غير المباشر: مع اسرائيل التي شكّلت وفدًا برئاسة رئيس الموساد ورئيس الشابك إلى الدوحة
يأتي هذا الخيار بعد خطاب توخّى بشكل صريح شدّ العصب من قبل رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل والذي تجاوز مأساة أكثر من 42 ألف شهيد، بالإضافة إلى إبادة قطاع غزّة على مدى سنة، ليمشي على خطى رئيس الحركة يحيى السنوار الذي وعد بالقتال حتّى آخر طفل.
ذهنيّة حماس اليوم تركّز على تسوية تحافظ على ما تبقّى من ترسانتها العسكريّة، خصوصًا بعد ما ورد في قناة «كان» الإسرائيليّة عن مقترح لابعاد السنوار (وهذا قبل استهدافه) عن غزّة وانهاء الحرب في أيلول الماضي.
مقترح بصرف النظر عن مدى صحّته، يعيدنا إلى سيناريو عام 1982 في لبنان حين قبل وزير الدفاع آنذاك آرائيل شارون بخروج زعيم منظمة التحرير الفلسطينيّة الراحل ياسر عرفات بالخروج وقادة المنظمة من لبنان عبر البواخر لانهاء الاجتياح.
حماس اليوم وبعد انقلاب على فتح قامت به بين عامي 2005 و2006 تركض إلى القاهرة لحجز مقعد سياسي لها مع حركة فتح تحت ما يسمى بالحكومة الوطنيّة المشتركة، رغم أنّها بشخص زعيمها يحيى السنوار أفشلت كل خلاصات مفاوضات بكين، لكنّها اليوم أمام طريقين: الانخراط بالدولة والتخلي عن نبرة الدويلة خصوصًا بعد انتكاسة الحزب في لبنان أو الاستمرار في سرديّة القتال الأسطوري والتفاوض من الأنفاق ووضع الشروط وتلقّي شروطًا مضادة.
بات حزب الله وحركة حماس في نفق واحد، يذكّراننا بما آلت إليه الأمور إثر سقوط الإتحاد السوفياتي، وما تنبأت به وزيرة خارجيّة الولايات المتّحدة الأميركيّة كوندوليزا رايس  بعد الغزو الأميركي للعراق وإعدام الرئيس العراقي صدّام حسين « نحن أمام شرق أوسط جديد» فهل تتحوّل الفصائل إلى أركان من الدولة أم نصبح كما عنوان كتاب المفكّر السياسي حازم صاغيّة«هجاء السلاح...المقاومات كحروب أهليّة» مقنّعة؟