سنّة الجنوب ومغامرات الجماعة
سنّة الجنوب ومغامرات الجماعة
«وقت العزايم أنطون نايم، ووقت جلي الصحون نادوا لأنطون»، هو المثل الشعبي الأكثر دقة لوصف حال المجتمع السنّي الجنوبي
يخرج المجتمع السني الجنوبي كأحد الخاسرين الجديين من الحرب القائمة حالياً، حيث تدمّرت القرى السنيّة الحدودية القريبة من إسرائيل أسوة بأخواتها الشيعية.
«وقت العزايم أنطون نايم، ووقت جلي الصحون نادوا لأنطون»، هو المثل الشعبي الأكثر دقة لوصف حال المجتمع السنّي الجنوبي، حيث دفعت تلك القرى الحدودية ثمناً باهظاً نتيجة أسباب ومسبّبات عدة. في الواقع، لم تنفع قيادة «قوات الفجر» التابعة لـ«الجماعة الإسلامية» في القيام ببعض العمليات العسكرية ضدّ إسرائيل، طوال السنة الماضية، من تلك القرى، في تثبيت نفسها كقوة مقاومة لها أي دور سياسي جدّي حالياً. بقي «العز» لـ«حزب الله»، وتناسى الجميع «قوات الفجر»، الذي ذهب جهادها هباءً، ولم يؤدِ إلّا إلى إستجلاب الدمار الإسرائيلي.
القرى السنيّة جنوب لبنان، مثل مروحين، الضهيرة، البستان، الزلوطية، يارين وغيرها، دفعت ثمناً باهظاً وتدمّرت. بعضها احتلته إسرائيل، وغيرها نُسف بالكامل كالقرى الشيعية تماماً، فحيثما تصل اليد الإسرائيلية يعمّ الخراب. يقول الشيخ أحمد عبيد، أحد رجالات الطائفة السنية، إنّ عدد الوحدات السكنية التي تضرّرت في القرى السنيّة الحدودية بلغ حوالي 5 آلاف، كما تضرّر كلياً أو جزئياً 9 مساجد وعدد موازٍ من القاعات الإجتماعية والدينية، بالإضافة إلى بضعة مراكز طبية ومستوصَف ومراكز تحفيظ القرآن ومعاصر زيتون وغيرها. هذه الأرقام التي نشرها الشيخ عبيد هي أرقام أولية وليست كافية لوصف حالة القرى الجنوبية السنية المعرّضة لأقسى أنواع الهجمات الإسرائيلية، لكن الأكيد هو أنّ الخراب على القرى السنية قد وقع لا محالة، وباتت قرى منكوبة غير قابلة للحياة.
في المقابل، لم تتعرض القرى المسيحية والدرزية الحدودية لأذى كبير، ليس لأنّ هويتها الطائفية كذلك، وإنّما لأنّ هذه القرى لم تقُم بأي عمل عسكري ضد إسرائيل، ولم تنشئ أي فصيل مسلح خاص لشنّ عمليات عسكرية وراء الحدود، ولم تسمح، قدر الإمكان، لـ«حزب الله» بأن يقوم بعمليات عسكرية من أرضها وحدود قراها.
ماذا جنت القرى السنيّة من مغامرة «الجماعة الإسلامية»، التي تتحمل ما حلّ بتلك القرى من مصير ودمار؟ هي قادت بعض عمليات إطلاق الصواريخ من خراج تلك القرى ومن ثم إحتمت بالقرى السنيّة. الآن حان موعد دفع الثمن، فيما الإسرائيلي لا يفرق بين طائفة وأخرى إلّا بمدى تشكيل هذه الطائفة أو تلك لخطر أمني أو عسكري على الداخل الإسرائيلي. ماذا كسبت «قوات الفجر» من دخولها المعركة؟ لا استطاعت تثبيت نفسها كمقاومة حقيقية ومؤثرة ضدّ إسرائيل، ولا ساندت فعلياً غزة و«حركة حماس»، كما استجلبت، بسبب خياراتها الخاطئة واللحاق الذيلي بركب «حزب الله»، الويل والدمار على مجتمعها الجنوبي.
هذا الموضوع هو مثال حيّ على مدى فداحة نتائج إلتحاق جماعة بركب مغامرات جماعة أخرى. لم يستطِع الحزب ولا الجماعة حماية مجتمعاتهما الجنوبية، حماية لبنان أو حتى إسناد «حركة حماس» وقطاع غزة بشكل حقيقي. خرجت «الجماعة الإسلامية» من بيدر المقاومة من دون طحين، لا هي على طاولة المفاوضات ولا هي مؤثرة الآن في الميدان العسكري، بل أفادت الحزب في فترة معينة ريثما يتحضر للمعركة التي حتّمتها الظروف ضد إسرائيل.
يعكس هذا الوضع الكارثي صورة أوسع عن حالة الإنقسام والفوضى التي يعيشها الجنوب اللبناني بمختلف طوائفه، حيث يتقاسم الجميع حصصاً متفاوتة من المعاناة، ولكن بدرجات وأسباب مختلفة. ما يزيد من تعقيد المشهد هو غياب استراتيجية دفاعية وطنية موحدة تضع مصلحة الجنوب وأهله فوق أي إعتبار سياسي أو طائفي. في ظلّ هذا الواقع، تبدو القرى السنية الحدودية كأنّها دفعت الثمن الأكبر، حيث لا تمتلك موارد أو قدرات تعويضية قادرة على النهوض بها من جديد، كما هو الحال في بعض القرى الشيعية التي تحظى بدعم مباشر من «حزب الله» و«حركة أمل» ومموليهما الخارجيين. ومع غياب الدولة، تبقى هذه القرى رهينة لسياسات لا تمثلها ولا تخدم مصالحها، فيما أبناؤها يبقون حالياً مشتتين في بيروت وصيدا وطرابلس وأماكن أخرى، دون أن يكترث الإعلام أو المنظمات الدولية جدياً لهم.
إلى جانب الدمار المادي، هناك أيضاً دمار معنوي يصعب تعويضه، إذ يشعر أبناء تلك القرى بأنّهم كانوا مجرد أدوات تُستغل لتحقيق مصالح سياسية وعسكرية لا علاقة لهم بها. ومع استمرار التجاهل الرسمي والدولي لمعاناتهم، تتحول هذه القرى تدريجياً إلى مناطق أشباح، يفرّ أهلها منها بحثاً عن حياة أفضل في المدن أو حتى خارج البلاد.
تستحق هذه القرى وضحاياها إعتذاراً من «الجماعة الإسلامية» على خطأها باللحاق بركب «حزب الله» ومغامرته التي استجلبت الدمار على القرى السنية الجنوبية. هذا أقلّ الإيمان وأقلّ ما يُفترض أن تقدمه «الجماعة» و«قوات الفجر» اليوم بعدما باتت خارج المعركة العسكرية، وحتى
خارج دائرة الإكتراث من قبل اللبنانيين وإسرائيل على حدٍ سواء.