«ذكر وأنثى»: من الماضي إلى الحاضر

«ذكر وأنثى»: من الماضي إلى الحاضر

  • ٢٦ كانون الثاني ٢٠٢٥
  • كاسندرا حمادة

في 15 كانون الأول عام 1952، أجريت أول عملية جراحية لتغيير الجنس في العالم وكانت للدنماركي جورج يورجنسن والذي تحول إلى كريستين يورجنسن، ليصبح تغيير الجنس فيما بعد إشكالية في بعض المجتمعات اليوم، فماهو مسار هذه الإشكالية عبر السنوات ومستقبلاً بعد موقف ترامب في خطاب تنصيبه؟

لا وجود للجنس «إكس» على جواز السفر الأميركي هذا ما أعلنه ترامب فور تنصيبه، ليعيد النقاش من جديد حول ما الفائدة من التلاعب بالنوع البشري الطبيعي، رغم كل الجهود التي تبذل من التيارات المؤيدة لتغيير الجنس والساعية لحسم هذه الإشكالية وجعلها قاعدة ثابتة. تاريخياً، لم تكن الدول الغربية، لا سيما أوروبا وغيرها بهذه الدرجة من التسامح. شهدت العقود الماضية على إضطهادات كثيرة في طرف هذا العالم المنفتح على كل أشكال القيم حالياً. الإضطهادات طالت النساء، وأصحاب العرق الاسود، وغيرها من محاولات القمع للفئات المستضعفة، واجهتها ردّود فعل كبيرة في الغرب، ما أدّى لنشوء العديد من الحركات التحرّرية آنذاك ليصبح لاحقاً صدى الحريات أوسع مما كان متوقّعاً. أما بما يتعلّق بحرية التحوّل الجنسي، وهنا تقع الإشكالية…!

 يذكر أحد المختصّصين بعلم النفس، أنّ بعض النقابات في الولايات المتحدة، تشترط ألا يكون الطبيب النفسي، المتقدّم برخصة عمل في المجال، قد عالج سابقاً أي حالة من حالات «الشذوذ الجنسي»، إذ تعتبرها بعض الفئات الراديكالية أمر طبيعي، لا يحتاج للعلاج وترفض تصنيفها في إطار الحالات المرضية. 

إلى ذلك، تعد ظاهرة تحويل الجنس إحدى الظواهر التي أفرزها التقدم العلمي في مجال الطب، وهي ظاهرة حديثة نسبياً، حيث بدأت البرلمانات الأوروبية الإهتمام بها في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن العشرين. فقد انتشر تغيير الجنس في العديد من دول العالم خاصة الدول الغربية  بعد الثورة الجنسية، إلا أنّه لا زالت الكثير من المجتمعات تعد التغيير الجنسي ظاهرة سلبية وخاصة بتأثير كبير من القيم الدينية والثقافية للمجتمع.  وبدأت تأخذ حيزاً واسعاً بعد توسّع تأثير مجتمع «الميم»، حيث اندمجت فيه الحركات النسوية، لاعتبارها مدافعة عن الفئات المستضعفة. 

لمحة تاريخية
بدأت الحركات الاجتماعية المدافعة عن قبول وحقوق الأشخاص الذين قد يعرفون اليوم بالمثليين أو غير ثنائي الجنس كرد فعل على قرون من الاضطهاد من قبل السلطات الحكومية والإجتماعية و الطبية. حيث كانت الأنشطة المثلية أو الانحراف عن الأدوار الجنسية المقررة ممنوعة بالقانون أو العرف التقليدي، وكان يتم الإعلان عن الإدانة من خلال محاكمات علنية مثيرة للجدل، أو المنفى، أو التحذيرات الطبية، أو من خلال الخطب الدينية. وقد أرسى هذا الاضطهاد الخوف من المثليين على مدار قرون، لكنه أيضًا جعل الناس يدركون وجود هذه الفئة.
قبل الثورات العلمية والسياسية في القرنين 18 و19، كانت هناك قلة من المنظمات والموارد المساعدة. مع تطور وسائل الإعلام العامة والمثل العليا لحقوق الإنسان، تجمع نشطاء من مختلف الطبقات الاجتماعية، مستفيدين من الدراسات الطبية المتعاطفة والأدبيات المحظورة والبحوث الجنسية الناشئة.
وفي القرن العشرين، بدأ تحرك للاعتراف بالمثليين والمثليات، مدعومًا بمناخ اجتماعي من الحركة النسوية ودراسات الأنثروبولوجيا الحديثة. لكن، على مدى 150 عامًا من الحركات الاجتماعية للمثليين (من السبعينيات من القرن التاسع عشر إلى اليوم)، كانت هناك صراعات بين القادة والمنظمين في التعامل مع القضايا المختلفة للمثليين، والمثليات، والأشخاص المغايري الجنس.
تظهر الأبحاث التاريخية أنّ هناك أدلة على وجود النشاط المثلية والحب من نفس الجنس في جميع الثقافات الموثقة، حتى وإن كانت هذه العلاقات مقبولة أو مضطهدة. كان لبعض الثقافات القديمة مثل اليونان، وجود واسع للأنشطة المثلية، بينما كانت القيم الأوروبية الاستعمارية تشدد على التوجهات الجنسية والأنماط الجندرية الضيقة.
وفي العصر الحديث، استمرت الحركات الاجتماعية لتبني الحقوق المثلية في الولايات المتحدة وغيرها من الدول. بدءًا من الأبحاث الطبية في القرن التاسع عشر حول المثلية، وصولًا إلى الحركة التحررية للمثليين في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، التي شهدت تأسيس منظمات حقوق الإنسان المثلية الكبرى مثل «ماتاشين سوسايتي» و«aughters of Bilitis».
ومع تقدم الوقت، تعرضت المجتمعات المثلية لمزيد من التحديات، بما في ذلك أزمة الإيدز في الثمانينيات والتسعينيات، لكنها شهدت أيضًا تقدمًا كبيرًا في القبول الإجتماعي والقانوني، بما في ذلك تشريع الزواج المثلي في بعض البلدان .
مع بداية القرن الحادي والعشرين، واصلت الحركات الحقوقية تحقيق مكاسب قانونية، بما في ذلك الاعتراف بالزواج المثلي في بعض الولايات الأمريكية. لكن، على الرغم من هذه الإنتصارات، كانت المجتمعات المثلية ما زالت تواجه تحديات، خاصة في الدول التي تجرم المثلية.
وبالحقيقة، التماهي مع أفكار الغرب (الناتجة أصلاً عن حركات تحررّية بعد القمع) هو واقع في بلادنا اليوم،  وقد تعتبر السنوات الأخيرة الأكثر حضوراً ممنهجاً لتيارات أحرار الجنس عبر مؤسسات و«لوبيات» مسيطر عبر الأفلام، الإعلانات، و مناهج التعليم في المدارس وإعلانات الثياب وغيرها من المؤثرات الإعلانية والثقافية كما المشرعين في البرلمانات، حتى ليشعر الإنسان في العقدين الأخيرين أنّ المسألة لم تعُد خياراً في إطار التنوّع الإنساني، بل باتت نوعاً من صناعة القبول والموافقة، وقد تصل الى الديكتاتورية الفكرية التي تسعى لإقناع الفرد وترسيخ الأمر في لاوعيه… لتصل مؤخراً الى الرسوم المتحرّكة وأفلام الأطفال،  في تقدّيم صورة إيجابية جذابة عن المثلية عبر شخصيات «الكرتون». 
 هذا ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أن يحدّد في خطاب القسم ، موقفاً صريحاً من قضية الجندر: «هناك ذكر وأنثى فقط» . وكانت قد عملت إدارة ترامب خلال ولايته الأولى، على إلغاء العديد من إجراءات الحماية القانونية لمجتمع «ميم.عين»، لمواجهة اللوبي القائم على لعبة سياسية، يميل إليها الديموقراطيون. 

«الهرومون» أحد الأسباب النفسية 
إنتقالاً إلى الأسباب النفسية والإجتماعية،  تدفع وسائل التواصل الإجتماعي شباب اليوم للانضمام إلى هذا التيار، والدفاع عنه، بحسب المختصّين. 
في سياق متّصل، يشرح المتخصصّ فؤاد قدوم أنّ مشاعر الإنسان، بحاجة دائماً أن تتنفّس وتتغيرّ.  وكما لم يعد اليوم الإفصاح عن المشاعرعيباً إجتماعياً ، وفقاً لمساحة الحرية الواسعة والتواصل السهل مع الثقافات والمجمتعات المختلفة، باتت التأثيرات أكثر جرأة وفي بعض الأحيان ربما نوع من الرواج الاجتماعي خاصة بين فئات الشباب.

إلى ذلك، يرى المتخصصون أنّ القصة كلّها تبدأ من البيئة التي يعيشها الإنسان خلال طفولته. تعلق بعض المشاهد في خانة اللاوعي عند الطفل، لتتحكّم  لاحقاً في مسيرة حياته. 
مثلاً، عندما يشهد الطفل على أي نوع من العنف داخل الأسرة، أو يشعر بالنقص العاطفي، قد يندفع تلقائياً في أحد مراحل حياته إلى ما يريحه، ولو كان من يقدّم هذه الراحة و هو من نفس الجنس.  
من جهة أخرى، يضيف القدوم أنّ الضعف بمادة الدوبامين والأندريالين، يخلق هذا النوع من الإتجاه المثلي عند الأشخاص . 
في عصرنا اليوم، العلاقات باتت سهلة وسريعة عبر مواقع التواصل الإجتماعي، لذلك يتجه اليوم الفرد إلى ما يثيره  أكثر، ويملي فراغ مادة الأندريالين، مثل أمور المثلية وغيرها من الشذوذ. 

خلاصة، تبقى قضية الميول الجنسية وتغيير الجنس من المواضيع المثيرة للجدل التي تشهد صراعًا طويلًا بين التقدم العلمي والاجتماعي من جهة، والتمسك بالقيم الدينية والثقافية من جهة أخرى. إلا أنّ التغيير الاجتماعي الذي نراه اليوم، سواء كان في حقوق المثليين أو في التطور النفسي والجسدي للأفراد، يعكس تأثيرات عميقة للتحولات الاجتماعية والسياسية التي يشهدها العالم، ليبقى السؤال حول التأثير البيئي لهذا التطوّر، في الخلاصة ماذا لو لم يعُد الإنسان يعتز بهويته الجسدية، وماذا لو لم يعُد العالم «ذكراً وأنثى».. فكيف يستمرّ!