بالفيديو..«وحياتك ع بيروت» رحلة في أزمنة المدينة

بالفيديو..«وحياتك ع بيروت» رحلة في أزمنة المدينة

  • ٠١ شباط ٢٠٢٥
  • إلياس معلوف

عمل مسرحي يستكشف أزمنة بيروت المتناقضة وسكانها في صراعهم المرئي وغير المرئي مع ذواتهم ومع الواقع عبر لغة مسرحية ومشهدية حديثة

على خشبة مسرح سينما رويال في برج حمود، تقدّم مسرحية «وحياتك ع بيروت» عروضها من الخميس إلى الأحد عند الساعة الثامنة والنصف مساءً، في مبادرة لتوسيع النشاط الثقافي والفني ضمن أحياء المدينة. 
 تفاجئ المسرحية جمهورها بلغتها، والسينوغرافيا والإضاءة الدرامية الديناميكية، مستحضرةً مشهد المدينة المعماري الذي تتحرك فيه النساء الثلاث. تبتعد المسرحية عن الحوار النمطي والعقدة التقليدية، لتقدّم مناجاة متقطعة، وتداعيات خواطر تكشف عن الذكريات والأحلام والمعاناة. في احتفالية بصرية متكاملة.
 ترسم «وحياتك ع بيروت» صورة أزمنة بيروت المتناقضة وسكانها في صراعهم المرئي وغير المرئي مع ذواتهم ومع الواقع. تجربة مسرحية تراجيدية ستُدرك أبعادها عندما تعود إلى حياتك اليومية، لتكتشف أنّ في كل من عايش بيروت جزءًا من شخصياتها.

المخرج جان عبد النور أستاذ المسرح في كلية الفنون للجامعة اللبنانية الفرع الثاني الذي تعاون مع فريق من طلابه ومع ممثلين محترفين يقول عن العمل:
المسرح هو إحتفال يجمع أهل المدينة، والعمل المسرحي مرتبط إرتباطاً عضوياً بوجود الجماعة الإنسانية، ووجودها مشروط بحب الحياة، وباختبار الصفاء الذهني والسلام الداخلي، وهذه الجماعة يفترض أن تكون مخلصة لانتمائها للمدينة، لنبضها، ووجدان أهلها، والإصغاء لصوتها. مدينة بيروت هي مدينة تسمح لك برؤية شروق الشمس وغروبها، وهذا ليس بالأمر العابر، فالشمس مصدر الحياة ومصدر الوحي.
والجماعة على خشبة المسرح ليست منعزلة عن عصب المدينة هي متنوعة من جميع الأطياف والإنتماءات من القرى والمدن ومن مجالات تخصصية متعددة.
هم من ساهموا في إنجاز العمل ميلاد طوق مدير قسم السينما والتصوير في كلية الفنون القسم الثاني في الجامعة اللبنانية صمم الإضاءة، وإريك كريتر مصمم الأزياء. مدير قسم تصميم الأزياء في جامعة الألبا، وليلى حاوي المهندسة المعمارية، كلنا نأتي  من مساحتنا المهنية والفكرية لنعبّر بطريقة مختلفة عن رؤيتنا للأمور وليس أجمل من الفن في التعبير عن القضايا السياسية، نحن نصنع عملاً فنياً  والعمل الفني تكمن أهميته في قدرته على التعبير والإغراء، ويجيز القدرة على التأمل.
يرتكز عملي على توليد أزمنة متعددة ومترابطة، كالحلم، والثورة، والحب، والحزن، والفرح. هذه الأزمنة تتداخل مع الحياة اليومية والذاكرة، لتروي تجليات الحالة الإنسانية.
زمن المسرحية هو رحلة في أعماق الذات المتفاعلة مع جغرافية المدينة وأحلامها وانكساراتها. هي رحلة تستلهم واقع سكانها، وقد تمثل سعياً نحو قيم كالمساواة والعدالة.
أرى المسرح محتوىً يتجاوز الكلام الحواري، فنحن ننطلق من حركة الجسد، باعتبارها مصدرًا للمشاعر والتجارب الحسية. جسد الممثل، كالأرض، يحمل علامات الزمن وتجليات الحياة، ويخوض تجربة التحولات في الحالات الروحية والجسدية والإنسانية. إنّه يعكس المشهد الداخلي للعواطف والأفكار، كاشفاً عنه في الفضاء المسرحي، ليخلق تضاريس عاطفية من خلال حركته وصوته ونظرته. إنّها رحلة مستمرة لاكتشاف خريطتنا الوراثية والبحث عن ذواتنا.

 ويقدم ميلاد طوق، رؤية مبتكرة للإضاءة المسرحية، يقول، إنّها تتجاوز المألوف لتحاكي التجربة السينمائية. فالضوء ليس مجرد عنصر وظيفي، بل يعتبره جزءًا لا يتجزأ من الدراماتورجيا والتعبير الفني.
وبدلاً من الإضاءة التقليدية المتدلية من السقف، إعتمد على مصادر ضوء مدمجة في المشهد، تواجه الممثل وتعزّز تفاعله مع الجمهور. ويستوحي مصادر إلهامه من واقع المدينة، مستخدمًا «سقالات» البناء كعنصر جمالي ودلالي، معبرة عن نسيج بيروت المديني وتخطيطها العمراني، تزيد من واقعيتها الكتابات العشوائية في خلفيتها.
كما وظّف «البروجكتور» لخلق إيحاء إستديو التصوير، حيث يصبح الضوء ديناميكيًا، يتحرك ويتفاعل مع الممثلين. يسلط الضوء على الشخصية المتحدثة، بينما يبقى الآخرون في الظلّ، محققًا ما يشبه المونتاج داخل الإطار المشهدي، وهي تقنية مستعارة من العالم السينمائي.
ويرى أهمية الألوان في تعزيز الجمالية والبعد الدرامي. فهو يستخدم نسيجًا متنوعًا من الألوان لإضفاء الدفء على المشهد، وفي الوقت نفسه لتجسيد الصراع والتناقض بين الضوء وقساوة الإنفعالات التي يعبر عنها النصّ.
ويضيف عبد النور، لقد إنطلقنا في عملنا من الجسد، من الواقع الحياتي، من أحلامنا، ومن الملاحظة لشوارعنا، وللناس، ومن إيقاع المدينة، والأشجار، والزهور، والغيوم والبحر …، وأيضاً إنطلقنا من مقاربة إنسانية رمزية مع إرث روزا لوكسمبورغ، التي عاشت تجربة التحولات الفكرية والإنسانية في أوروبا من الثورات السياسية والفكرية والإقتصادية وصنعت تجربتها، هذه التحولات والتغيرات التي باتت اليوم ضرورة وجودية في لبنان، إذ لكل زمن متغيراته اليوم  نعيش في زمن الثورة الرقمية، وقد تبطيء هذه المتغيرات أو تمشي بوتيرة سريعة، ولكن لا بدّ أن تنتظم في لحظة ما، ولكن من يبقى الأهم في خضم هذه التحولات هو الإنسان، علينا أن نسأل أنفسنا ما الذي نسعى إليه، ما هي متطلباتنا من الآخر، ومن ذواتنا، صحيح أنّ الحاضر يرسم المستقبل، إنّما يستحيل تبلور المستقبل بدون قراءة  الذاكرة والتاريخ  والجغرافيا، فالفن هو إنعكاس لبيئته وعصارة حياة المجتمع. لذلك إعتمدنا التعدد في التخصّص، من الهندسة المعمارية، والسينما والألوان والطبيعة وغيرها..  وكانت هذه هي الأسس التي شكلت خارطة الطريق لإنجاز العمل.