"طريق المطار": تلحين وغناء وفيق صفا

"طريق المطار": تلحين وغناء وفيق صفا

  • ١٧ شباط ٢٠٢٥
  • جو حمّورة

تذكّر الأحداث الأخيرة على طريق مطار بيروت بتلك الأغنية التسعينية التي أصدرها غسان الرحباني. وطريق المطار، في الأغنية، هو أقرب إلى مكان تعجّ فيه الفوضى والزحمة وسوء التنظيم، وهو الأمر الذي لا يختلف كثيراً عن الحالة في هذه الأيام.

والواضح، من خلال تحركات أنصار "حزب الله" في الأسبوع الماضي، أن حال طريق المطار لا يزال هو نفسه. بل إن ما اختلف بين التسعينيات واليوم هو أن الفوضى التي كانت قائمة في السابق اشتركت فيها جميع الأحزاب والطوائف، فيما اليوم تقتصر الفوضى على "حزب الله" وحده، بوصفه مفتعلاً لها. وبحسب الأغنية وكما هو الحال في الواقع اليوم، فإن رحلة سريعة من باب المطار إلى منطقة العدلية تجعلك تشك بأنك في لبنان، فلا الرموز السياسية والإيديولوجية لبنانية، ولا الأعلام كذلك، وهذا دون ذكر كمية الفوضى والزحمة والنفايات المرمية في كل مكان.

من جانب آخر، يشكو الحزب من سوء تنظيم فاضح، كما من غياب وحدة القيادة والأمرة. عملياً، يبدو أمين عام "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم بعيداً عن الأجواء في لبنان، فهو، على عكس أمينه العام السابق، بات يعلّق على الأحداث بعد حصولها، فيعطي موقفاً حولها من دون أن يكون مؤثراً فيها. اعتاد حسن نصرالله، في الماضي، أن يكون له موقف من قضية ما قبل أن يحين موعد حسمها، فيحدد الإطار العام لها ويفرض شروطه أو يضع خطوطه الحمراء، فيما قاسم يبدو أقرب إلى معلّق على الأحداث أكثر من كونه فاعلاً فيها.

هذا الواقع يشي بغياب قدرة قاسم على أن يكون قائداً حقيقياً لـ"حزب الله"، أو أن يكون ممسكاً بالأوراق السياسية عند التفاوض أو التسوية أو إقرار أي اتفاق مع أي طرف سياسي لبناني آخر. هو صورة مستحدثة ومجمّلة حديثاً لا أكثر، ومتكلم فطن وظيفته تمرير الوقت ريثما يستقر الوضع. أما أصحاب السلطة الحقيقيون في الحزب حالياً، فهم الرباعي: وفيق صفا، محمد رعد، محمود قماطي، وآخر غامض اسمه خليل حرب.

عملياً، يُمسك وفيق صفا بالأرض وبالأجهزة الأمنية التابعة للحزب. ويتدرج هؤلاء بين مسؤولي الأمن المسلحين وبين "قبضايات" الشوارع وراكبي الدراجات النارية المستعدّين لممارسة الفوضى بمجرد اتصال هاتفي. وهؤلاء هم فاعلون وناشطون جداً، ومعبّأون بشكل كامل هذه الأيام، ومسؤولون بشكل مباشر عن الاعتصامات والمظاهرات التي يقودها "حزب الله" على طريق المطار بعدما منعت السلطات اللبنانية قدوم طائرة إيرانية قيل إنها تحمل أموالاً للحزب. وإن كان من الجائز ربط أغنية الرحباني بأحداث اليوم، يكون صفا هو الملحن والمؤدي والموزع لهذه الأغنية، أما البقية فهم مستمعون. 

على جانب آخر، يتضخم دور رعد وقماطي، ويعبّئان الفراغ السياسي الذي سبّبته خسائر الحرب. كذلك، فإن الفشل السياسي الذي نتج عن انتخاب جوزاف عون وتسمية سلام، والذي يتحمل بعضاً من مسؤوليته صفا كونه فاوض حول الملفين، أعطى رعد وقماطي المزيد من السلطة والنفوذ والقدرة. ويمسك الأول بالكتلة النيابية، وما يعنيه هذا الأمر من دور له كشريك في النظام السياسي اللبناني، فيما يحابي الثاني صفا ليكون له دور مهم وأكبر في مستقبل الحزب.

أما خليل حرب، وهو مستشار نصرالله السابق، وأحد المقرّبين إليه، والموضوع على رأسه عدة ملايين من الدولارات من قبل واشنطن، فتدور الأحاديث عن استمرار سطوته على بعض الفرق العسكرية المقاتلة التابعة للحزب، والتي لم تكن راضية عن مجريات الأمور، خصوصاً موافقة الحزب وإذعانه لاتفاق وقف إطلاق النار المُذل.

غياب وحدة القرار والسلطة داخل الحزب هو مسألة أساسية لا تُذكر كثيراً في الإعلام والصحف، لكنها قضية جوهرية يُفترض أن يعالجها قادة الحزب، لأنها تُنذر بانشقاقات وتضارب مصالح وفجوات قد تُضعف الحزب أكثر مما هو ضعيف حالياً. وكان أول من أشار إلى هذه المعضلة هو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، عندما قال قبل فترة: "لا نعرف من نحاور بعد اغتيال نصرالله". كذلك، بدا الانقسام واضحاً عندما أنكرت شاشة "المنار" التابعة للحزب أن يكون الحزب نفسه هو من اعتدى على قوات "اليونيفيل" الأسبوع الماضي، واتهمت "جهات غريبة" بذلك، رغم أن أنصار الحزب وحاملي أعلامه ظهروا على الشاشات بشكل واضح جداً خلال اعتدائهم على جنود "اليونيفيل". 

قبل الحزب وبعده، لا تزال طريق المطار بشعة وفوضوية، ورموزها غير لبنانية. في العمق، لم يختلف الأمر كثيراً يوم وضِعت صور عبد الناصر على جوانبها، ثم صور ياسر عرفات، أو من بعده الخامنئي. ما نحتاجه الآن هو تدخل حاسم من الدولة لفرض سلطتها ورفع العلم اللبناني مكان كل علم حزبي أو أجنبي، وتثبيت دورها في المطار وعلى طرقاته، والعمل على فتح مطارات أخرى في لبنان.

غير أن مشكلة طريق المطار لا تقتصر فقط على الرموز السياسية والاحتلال غير الرسمي للفضاء العام من قبل "حزب الله"، بل تتعداها إلى كونها انعكاساً مباشراً للحالة العامة للدولة اللبنانية. فكما أن طريق المطار يعاني من سوء التنظيم والفوضى، كذلك تعاني مؤسسات الدولة من الترهل والضعف وغياب السلطة الفعلية.

فالطريق الذي يُفترض أن يكون بوابة لبنان إلى العالم، بات شاهداً على أزمة هوية وطنية لم تُحسم بعد. فمنذ عقود، لم تستطع الدولة فرض سيادتها الكاملة على هذه المنطقة، التي بقيت أسيرة التوازنات الطائفية والسياسية، حيث يُمنع الاقتراب منها أمنياً وإدارياً دون توافق سياسي واسع. هذا التراخي في فرض السلطة لا يقتصر على المطار وحده، بل ينسحب على مرافق حيوية أخرى، بدءاً من المرافئ والمعابر الحدودية غير الشرعية، وصولاً إلى الإدارات العامة التي تخضع للمحاصصة والفساد. إن إصلاح هذا الأمر هو من مسؤولية العهد الجديد، وإلا لا حاجة لأحد لأي عهد أو أي حكم أو حتى أي سلطة.