أُرجُموا نَـــــوّاف

أُرجُموا نَـــــوّاف

  • ١١ شباط ٢٠٢٥
  • جورج طوق

نيّفٌ وثلاثة أسابيع، بين التكليف والتشكيل، بدت كأنّها دهرًا، لكنّها، مقارنةً بالعقدين المنصرمين، تعدّ برهةً قياسيّة. ليست التشكيلة مثاليّة، لكنّ الظروف، القريب منها والبعيد، هي أبعد ما تكون عن المثاليّة.

نيّفٌ وثلاثة أسابيع، بين التكليف والتشكيل، بدت كأنّها دهرًا، لكنّها، مقارنةً بالعقدين المنصرمين، تعدّ برهةً قياسيّة. ليست التشكيلة مثاليّة، لكنّ الظروف، القريب منها والبعيد، هي أبعد ما تكون عن المثاليّة. الحماسة الشعبيّة، التّي رافقت وصول الرئيسين الجديدَين، باتت مُدَعّمةً بأكثر من نصف الثقل على متن السفينة الوزاريّة، وأُبعد قباطنة الأحزاب الرثّة، على مختلف شواردها، عن مُطلق التحكّم بالدفّة.

"رزانة الرئيسَين"
تميل سيكولوجيا الجماعات، عند تبدّل الرياح، إلى المغالاة والمبالغات والطمع بحلولٍ ومكتسباتٍ متطرّفة، وتغفل الواقعيّة في التقدير. ميلٌ لم يسقط فيه الرئيسَين. فالأوّل ترفّع، رغم الزخم الكونيّ الذي يلازمه، وتعفّف الثاني، رغم تصدُّع حجر الزاوية للمنظومة وحاميها الأشدّ، وتآكُل باقي أعتابها. قدّر الرئيسان، بميزان صائغٍ، جرعة حماية حكومتهم من قبضة فائض القوة، دون إمساكهم قبضة سكّين نتنياهو. جرعةٌ فائقة الدقّة والتعقيد والصعوبة. المسؤوليّة الوطنيّة لا تقبل الطهو على نيرانٍ عدوّة. فالثنائيّ دفع قسطًا من ثمن سلوكه الداخليّ، دون أيّ "تقريش" لنار المقتلة الإسرائيليّة. وهذا يُسجّلُ للرجلين، مهما صَخُب النقد والملامة. صحيحٌ أنّ الندم على فلسفة الرئيسَين هذه يبقى واردًا، لكنّه، فيما لو استثمرت جرائم "بيبي"، كان ليكون حتميًّا.

"الآمال والتجربة اللبنانيّة"
صحيحٌ أنّ الخروج المفاجيء من دوّامتَيّ الفراغ الرئاسيّ والتصريف الوزاريّ كان مدوّيًّا، إلّا إنّ شيئًا لا يشي بحتميّة الإنجاز قبل إنجازه. فالتجربة اللبنانيّة الصعبة علّمتنا ألّا نُفْرط في الجزم والتفاؤل والآمال. لا جدال في ظهور بوادرَ من الإنتظام المؤسّساتيّ والرؤى والنوايا الإصلاحيّة، لكنّ العبرة تبقى في ما نراه، لا في ما نسمع. سمعنا خطابًا واعدًا لعون، ونترقّب، على الموجة نفسها، بيانًا لسلام. بلغ البلد، في سوء الحال، ما يفوق قدرة ساسة المنظومة على الإنكار والمماطلة والمراوحة والمراوغة ونفش الريش واللعب بالخطايا وتحدّي العالم. يبدو أنّ الرئيسَين موقنان للواقع الداهم، فيما لا تزال غالبيّةُ الأحزاب منفصلةً عنه. فعَلّ ما نراه، في القادم، يلاقي ما سمعناه.

"١٧ تشرين: ضمور الجسم وإعتلاء الروح"
قبل أنفاس ١٧ تشرين الأخيرة بقليل، ظهر إسم القاضي سلام بعد معاناةٍ طويلة، للتغيير، مع العجز في الإنجاز والتنظيم. فالثورة لم تفلح، بوجوهها ونجومها وناشطيها وناطقيها، في إرساء أجسامٍ تنظيميّة سياسيّة جدّية وقادرة. ومع القليل من حظّ المبتدئين، سارت السلطة التقليديّة في مسارٍ منحدرٍ، فيما تترنّح، صعودًا، روح ١٧ تشرين بلا جسد. وفي النيّف والعام، بين الإستشارات الفائتة والإنتخابات القادمة، آخر الفرص في تقديم نماذج حكمٍ ناجحة في بعض الوزارت والإدارات والسياسة والإنتظام والجدّية. فالثورة إمّا تلاقي روحها في إنتخابات ٢٠٢٦، فتزدهر وتقود، وإمّا تُحال إلى حنين المُذَكّراتٍ الجميلة.