مفاوضات موسكو – واشنطن: نهايةٌ لحرب أوكرانيا وإنقلاب أميركي على القارة العجوز!

مفاوضات موسكو – واشنطن: نهايةٌ لحرب أوكرانيا وإنقلاب أميركي على القارة العجوز!

  • ٢٦ شباط ٢٠٢٥
  • كريم الحدّاد

تحوّل أمريكي محتمل في الموقف من حرب أوكرانيا يهدد بتغيير التوازنات العالمية، مثيراً مخاوف أوروبية وإنقسامات داخل الناتو، وتداعيات إقتصادية على الشرق الأوسط.a

تعتبر الحرب في أوكرانيا واحدة من أكثر الأزمات السياسية المعقدة التي أثرت بشكل كبير على العلاقات الدولية، لا سيما في إطار التنافس بين روسيا من جهة والولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين من جهة أخرى. وتعد هذه الحرب حجر الزاوية في إعادة تشكيل التوازنات العالمية، ما يشمل تأثيراتها على منطقة الشرق الأوسط، وصعود التحديات أمام حلف «الناتو». في هذا المقال، سنتناول المفاوضات بين موسكو وواشنطن، والردود الأوروبية، وتأثيرات هذه الحرب على الاستقرار في الشرق الأوسط، إضافة إلى تداعياتها على مستقبل «الناتو».

تحوّل في السياسة الأميركية: جاء ترامب فغيّر المعادلات

منذ بداية الحرب، كانت الولايات المتحدة في مقدمة الدول الداعمة لأوكرانيا سياسيًا وعسكريًا، وهو ما انعكس في الاستراتيجية الأميركية طوال فترة حكم الرئيس السابق جو بايدن. إلا أنّ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في هذا العام قد غيّر بعض هذه السياسات. ففي بداية رئاسته، أبدى ترامب رغبة في إيجاد حلول سريعة للحرب الأوكرانية، وفي مفاجأة كبرى، أجرى محادثات مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مما أشعل التوقعات بتغيير جذري في المواقف. وبعد أسابيع قليلة من توليه المنصب، أعلن عن احتمالية عقد قمة مع بوتين في السعودية بهدف التوصل إلى إتفاق لوقف الحرب، وهو ما أثار جدلاً في الأوساط السياسية الأميركية والغربية.

ترامب، في تصريحات جديدة لوزير دفاعه بيت هيغسيث، أشار إلى أنّ أوكرانيا لن تتمكن من استعادة كامل سيادتها على أراضيها، وأنّ الحديث عن عضويتها في «الناتو» يجب أن يكون خارج الطاولة من أجل بدء المفاوضات. هذه التصريحات فاجأت الكثيرين ودفعت واشنطن إلى إعادة تقييم موقفها من دعم كييف، ما يعني فعليًا تقليص الدعم العسكري والاقتصادي المقدم لها. وفي الوقت نفسه، اعتُبر هذا التحول تخليًا عن أوكرانيا من قبل الولايات المتحدة، وهو ما عبرت عنه بعض وسائل الإعلام الغربية. ولكن بالنظر إلى معطيات الحرب، بدا أنّ هذا التوجه كان متوقعًا بالنظر إلى التكلفة الاقتصادية والبشرية الباهظة التي تكبدتها الولايات المتحدة في دعمها لأوكرانيا.

الرد الأوروبي: تباين مواقف ومخاوف من زيادة الإنفاق

بينما تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة التفكير في استراتيجيتها في أوكرانيا، تظهر أوروبا في وضع معقد أمام هذه التحولات. ففي حين أنّ بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا وألمانيا، لا تزال تؤكد دعمها الكامل لكييف، فإنّ دولا أخرى، مثل هنغاريا وصربيا، تتبنى مواقف أقل تشددًا في دعم الحرب ضد روسيا. ففي 14 فبراير / شباط الحالي أطلق الأمين العام لحلف «الناتو»، مارك روته، تصريحات جديدة تؤكد عدم وجود ضمانات أكيدة لانضمام أوكرانيا إلى الحلف، وهو ما يتناقض مع وعود سابقة بتوسيع نطاق عضوية «الناتو» لتشمل أوكرانيا.

وقد تزايدت المخاوف الأوروبية من استنزاف قدراتها العسكرية والاقتصادية جراء استمرار دعم أوكرانيا بشكل غير محدود. فدول القارة العجوز تجد نفسها في موقف حساس بين دعم كييف واستراتيجيات التقارب مع روسيا. ويتزايد الضغط على الاتحاد الأوروبي لوقف تقديم الدعم العسكري في ظل الانقسامات السياسية الداخلية، ما يعكس ضعف وحدة الموقف الأوروبي.

تأثر الشرق الأوسط: اقتصادي بحت؟

تمتد تداعيات الحرب الأوكرانية إلى ما هو أبعد من أوروبا وأميركا، حيث يبرز تأثيرها على منطقة الشرق الأوسط. فإنّ الدول في المنطقة تجد نفسها أمام تحديات كبيرة في تحديد موقفها من الحرب، خصوصًا أنّ الكثير من هذه الدول تعتمد على روسيا في مجالات استراتيجية مثل الطاقة والعلاقات العسكرية. في الوقت نفسه، فإنّ التداعيات الاقتصادية الناتجة عن العقوبات الغربية على روسيا تؤثر على دول الشرق الأوسط، التي قد تجد نفسها أمام خيارات صعبة بين الحفاظ على علاقاتها مع الغرب أو تعزيز الروابط مع موسكو.

من جهة أخرى، تنعكس الحرب أيضًا على سوق الطاقة، حيث تسعى دول الشرق الأوسط إلى تعزيز إنتاجها النفطي لموازنة تراجع الإمدادات الروسية إلى أوروبا. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ انعدام الاستقرار في المنطقة قد يشجع على صعود الجماعات المتشددة، مما يزيد من تعقيد المواقف السياسية فيها.

مستقبل «الناتو»: إنقسامات داخلية محتملة وسط ضبابية الدور الأميركي

يمرّ حلف «الناتو» اليوم بفترة عصيبة، حيث يتزايد الجدل بين أعضائه بشأن مواقفه من الحرب في أوكرانيا. ففي الوقت الذي تؤكد فيه الولايات المتحدة على ضرورة دعم كييف، تدعو بعض الدول الأوروبية إلى إعادة التفكير في استراتيجية الحلف تجاه روسيا، مع التركيز على ضرورة تجنّب التصعيد العسكري المباشر. ترامب، خلال حملته الانتخابية، أكد مرارًا أنّ الولايات المتحدة قد تنسحب من «الناتو» إذا لم تقُم الدول الأعضاء بزيادة ميزانياتها الدفاعية إلى نسبة 5% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يطرح تحديات جديدة أمام وحدة الحلف.

ومع تزايد الضغوط من بعض الدول الأوروبية التي ترى أنّ الصراع في أوكرانيا قد يؤدي إلى نتائج كارثية للحلف، يصبح مستقبل «الناتو» في موضع تساؤل. هل سيظل الحلف قادرًا على التكيف مع التغيرات السياسية والاقتصادية في العالم؟ أم أنّه سيواجه إنقسامات عميقة قد تؤدي إلى تآكل قوته وقدرته على مواجهة التحديات المستقبلية؟

لذا، تستمر حرب أوكرانيا في تشكيل المشهد السياسي العالمي بشكل كبير، إذ لا يبدو أنّ هناك أي حلول قريبة تلوح في الأفق. على الصعيد الأميركي، تتزايد الضغوط لإعادة تقييم الدعم المقدم لأوكرانيا، وهو ما يخلق تحديات إضافية في العلاقات بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين. وفي أوروبا، تبدو المواقف من الحرب أكثر إنقسامًا من أي وقت مضى، مما يزيد من إحتمالات إنعدام التنسيق بين الدول. أما في الشرق الأوسط، فإنّ تحولات السياسة العالمية قد تفتح المجال لتقارب أكبر مع روسيا.

أما بالنسبة لحلف «الناتو»، فيظل مستقبله غامضًا في ظل التحديات الاقتصادية والعسكرية التي يواجهها. كما أنّ الانقسامات التي تنشأ بين أعضائه قد تؤدي إلى إعادة تشكيل الاستراتيجيات الدولية، مما سيؤثر بشكل مباشر على الإستقرار العالمي.