التعميم 169.. مواجهة تواطؤ المصارف
التعميم 169.. مواجهة تواطؤ المصارف
التعميم 169 لمصرف لبنان: خطوة نحو العدالة المصرفية ومحاسبة المتورطين في أزمة الودائع
صدر التعميم الأساسي للمصارف رقم 169 بتاريخ 1 تموز 2025
يهدف هذا التعميم، عند التدقيق في مضمونه، إلى ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة والتناسب المالي، وهي مبادئ أساسية يجب الإلتزام بها، لا سيما في ظلّ الأزمة المالية الحادة التي يمرّ بها لبنان. تكمن أهمية التعميم في سعي حاكم مصرف لبنان للحفاظ على السيولة المتبقية لدى المصارف، وذلك لضمان حقوق جميع المودعين الذين يُعدّون دائنين في مرحلة بات فيها توقّف المصارف الفعلي عن الدفع أمراً واضحاً للجميع.
وتدخّل المركزي في هذا الإطار جاء نتيجة تقصير من السلطة التشريعية في إقرار قوانين إعادة هيكلة المصارف وإيجاد الحلول المقبولة لإعادة ودائع المودعين ومدخراتهم وجنى عمرهم.
كما أنّ المركزي من خلال التعميم المذكور بات يلعب دوراً مباشراً ومشرفاً على أفعال المصارف والقيمين على إدارتها في التصرّف في السيولة النقدية المتوفرة لديهم والإستمرار لغاية تاريخه بالإنتقائية والعشوائية والمحسوبية.
2- من جهة أخرى يطرح موضوع مدى إلزامية التعميم المذكور للتطبيق من قبل المحاكم وخاصةً لجهة الدعاوى المرفوعة بتاريخ سابق لصدور التعميم المذكور، فضلاً عن مدى قانونية ومشروعية هذا التعميم إذا ما ثبت مخالفته لأي من مواد الدستور اللبناني أو القوانين المرعية الإجراء التي تعلو رتبة التعميم وتنطبق عليه بالأولوية والأفضلية والهرمية.
3- إنّ التعميم المذكور، ولأول مرة، تضمن إتهاماً فادحاً للتجاوزات التي تمّت ومازالت تتمّ من قبل المصارف منذ بدء الأزمة في نهاية العام 2019.
لقد أشار التعميم صراحة الى تجاوزات من قبل المصارف أدت الى تمييز غير عادل بين المودعين، أكد على وجود «محظيين يملكون مميزات خاصة بهم» مقابل بقية المودعين الذين لا يتمتعون بهذه «المعاملة التفضيلية»، وصولاً الى إتهام المصارف بإجراء «المدفوعات الإنتقائية بصورة منهجية».
لذلك، هذا الإتهام الخطير الصادر عن مصرف لبنان يشير بدقة الى المشكلة الأساسية، حيث تبيّن أنّ المصارف التي ساهمت بشكل مباشر في تطيير الودائع عمدت الى التواطؤ مع أصحاب النفوذ والمحظيين وأصحاب الإمتيازات، ويشير الى الموافقة على تنفيذ حوالات خارجية وسحوبات نقدية بصورة إنتقائية ممنهجة.
وقد أدت هذه الإرتكابات التي قام بها أصحاب القرار في المصارف من جهة والمحظيين من جهة أخرى، الى الإستئثار بسيولة المصارف النقدية بالعملات الأجنبية على حساب المودعين، ما أدى في فترات الضغط على طلب الدولار الأميركي الى النيل من مكانة الدولة المالية وانهيار قيمة العملة النقدية اللبنانية، وأدت بشكل مباشر الى معاقبة كل من كان واثقاً بعملته اللبنانية عن طريق تبخّر قيمة وديعته الفعلية.
في إطار خطوات الإصلاح التي يضطلع بها حاكم مصرف لبنان، وفي المرحلة الراهنة، بناءً على مقتضيات التعميم رقم 169 المشار إليه أعلاه، وتطبيقاً لمبدأ المساواة، يتوجب إتخاذ الإجراءات المصرفية المناسبة بحقّ المصارف والقائمين على إدارتها الذين يُشتبه في تورطهم في ممارسات أدت إلى استنزاف السيولة النقدية عبر تحويلات أو سحوبات غير مبررة لصالح الأطراف المحظية. تهدف هذه الإجراءات إلى كشف طبيعة هذه العمليات وتحديد المستفيدين منها، وإلزام الأطراف المعنية، بالتعاون مع المصارف، بإعادة المبالغ المحولة والمسحوبة، بما يكفل الشفافية والعدالة. ويُعد إتخاذ هذه الإجراءات حاسماً لترسيخ مبدأ المساءلة، وصون حقوق المودعين، ومنع أي تهاون أو إفلات من العقاب، عندها لا «يزمط بريشه» المحظي، ولا يمنع المواطن العادي من تحصيل «جنى عمره».
ألم يحن الوقت لحاكم مصرف لبنان أن يتصدى لمافيا المصارف ومنعها من الإستمرار في قيادة القطاع المصرفي، وهل من المقبول أن يستمر من ساهم في تدهور القطاع المصرفي وسرقة خيراته في مختلف الأزمات أن يكون موجوداً في دائرة القرار في مرحلة إيجاد الحلول وإعادة الهيكلة، أم حان وقت استبدال هذه
الإدارات الهرمة المتواطئة أقله بمدراء مؤقتين معينين من قبل مصرف لبنان للحفاظ على ما تبقى من حقوق للمودعين!