لبنان إلى التفكّك: هل نحن أمام نهاية الشرق الأوسط كما رسمته سايكس – بيكو؟
لبنان إلى التفكّك: هل نحن أمام نهاية الشرق الأوسط كما رسمته سايكس – بيكو؟
إعادة النظر في حدود سايكس – بيكو لا تعني فقط تفكّك لبنان، بل ربما ولادة شرق أوسط جديد بمفاهيم «الأمن أولاً» بدل «الدولة أولاً».
«الدولة التي لا تستطيع نزع سلاح ميليشياتها لا تستحق أن تبقى» .. هكذا فهم كثيرون الرسالة التي أوصلها المبعوث الأميركي توم باراك خلال زيارته إلى بيروت في ٧ تموز ٢٠٢٥ و بعدها أضاف أنّه من الممكن أن يصبح لبنان جزءا من بلاد الشام . زيارة تشبه، في رمزيتها وخطورتها، زيارة هنري كيسنجر عام ١٩٧٣، حين صرّح أنّ الدولة التي لا تستطيع الدفاع عن زوّارها لا تستحق أن توجد. الفرق الوحيد أنّ كيسنجر كان أكثر صراحة، أما براك فاكتفى بإشارات توحي بأنّ لبنان، بصيغته الحالية، بات مشروع دولة فاشلة بانتظار إعلان الوفاة.
هذا الطرح لا يمكن عزله عن التحولات الإقليمية والدولية، خاصة في أعقاب هجمات ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣. فمنذ تلك اللحظة، برز توجه أميركي–إسرائيلي واضح لإعادة النظر باتفاقية سايكس – بيكو، التي رسمت حدود دول المشرق بعد الحرب العالمية الأولى، من دون أن تراعي التكوينات الدينية والإجتماعية، فخلقت دولا قائمة على توازنات هشّة، ودورات عنف لا تنتهي.
وبينما تنهار خريطة سايكس – بيكو، بدأت واشنطن تطبيق «نظام بديل» يقوم على تفويض قوى إقليمية بحكم مناطق تتعدى حدودها الجغرافية. هذا «الشرق الأوسط المفوض»، كما يسمّيه بعض الدبلوماسيين، يعطي إسرائيل دور القائد الأمني في الإقليم، بينما تمنح السعودية دورا إقتصاديا وماليا باعتبارها القوة الإستثمارية الكبرى. تركيا تكلّف بلعب دور موازن للنفوذ الروسي، في حين يستخدم النفوذ الإيراني لضبط تمدّد المحور السنّي وإحداث توازن مع الدور السعودي. بهذه المعادلة، تسعى الولايات المتحدة لتقليص تدخلها المباشر، مقابل إدارة الصراعات بالوكالة عبر حلفائها الإقليميين.
لبنان، من أبرز نماذج سايكس -بيكو الأكثر هشاشة. دولة مصطنعة جمعت بين المسيحيين والسنّة والشيعة والدروز ضمن نظام طائفي لا يسمح بقيام سلطة فعلية. منذ تأسيسه، لم يتمكّن لبنان من التحوّل إلى دولة قادرة على فرض سيادتها أو توحيد قرارها السياسي والعسكري. ومع بروز حزب الله كلاعب مواز للدولة، تلاشت الحدود بين الدويلة و الدولة، وبات وجود الكيان اللبناني برمّته مشروطا بقرار داخلي وخارجي يتعلق بمصير هذا السلاح.
وفي ظلّ العجز الرسمي عن تفكيك منظومة حزب الله، تتصاعد السيناريوهات المتعلقة بتقسيم لبنان كحلّ أخير. فبحسب معلومات متقاطعة، بدأت محادثات غير معلنة بين تل أبيب ودمشق برعاية روسية، تتضمن منح سوريا نفوذا مباشرا على مناطق الشمال والبقاع، مقابل اعترافها بسيادة إسرائيل على الجولان. في المقابل، تقيم إسرائيل منطقة أمنية تمتد حتى نهر الليطاني، تعتبر منزوعة السلاح بالكامل، وتشكّل حاجزا جغرافيا أمام أي تمدّد لحزب الله جنوبا.
من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل التصعيد الدبلوماسي والإعلامي الإسرائيلي الأخير، الذي يطرح بشكل علني «نهاية لبنان ككيان». فبعض التصريحات تشير إلى أنّ ما يسمى لبنان لم يكن يوما دولة حقيقية، بل مجرد مشروع جغرافي بني على وهم التعايش، وسقط بفعل فشل الطبقة السياسية، وانفجار الأزمة الاقتصادية، وتغوّل الميليشيات.
في هذا المشهد المتشابك، تتقاطع السياسة مع الجغرافيا، والتاريخ مع السلاح، والدبلوماسية مع الطائفية. لم يعد السؤال ما إذا كان لبنان سيتغير، بل كيف، ومتى، وبأيّ ثمن. كما أنّ إعادة النظر في حدود سايكس – بيكو لا تعني فقط تفكك لبنان، بل ربما ولادة شرق أوسط جديد بمفاهيم «الأمن أولاً» بدل «الدولة أولاً».
فهل ما نشهده هو انهيار لبنان فحسب، أم بداية نهاية الخريطة التي عرفناها منذ مئة عام؟
هذا الطرح لا يمكن عزله عن التحولات الإقليمية والدولية، خاصة في أعقاب هجمات ٧ تشرين الأول ٢٠٢٣. فمنذ تلك اللحظة، برز توجه أميركي–إسرائيلي واضح لإعادة النظر باتفاقية سايكس – بيكو، التي رسمت حدود دول المشرق بعد الحرب العالمية الأولى، من دون أن تراعي التكوينات الدينية والإجتماعية، فخلقت دولا قائمة على توازنات هشّة، ودورات عنف لا تنتهي.
وبينما تنهار خريطة سايكس – بيكو، بدأت واشنطن تطبيق «نظام بديل» يقوم على تفويض قوى إقليمية بحكم مناطق تتعدى حدودها الجغرافية. هذا «الشرق الأوسط المفوض»، كما يسمّيه بعض الدبلوماسيين، يعطي إسرائيل دور القائد الأمني في الإقليم، بينما تمنح السعودية دورا إقتصاديا وماليا باعتبارها القوة الإستثمارية الكبرى. تركيا تكلّف بلعب دور موازن للنفوذ الروسي، في حين يستخدم النفوذ الإيراني لضبط تمدّد المحور السنّي وإحداث توازن مع الدور السعودي. بهذه المعادلة، تسعى الولايات المتحدة لتقليص تدخلها المباشر، مقابل إدارة الصراعات بالوكالة عبر حلفائها الإقليميين.
لبنان، من أبرز نماذج سايكس -بيكو الأكثر هشاشة. دولة مصطنعة جمعت بين المسيحيين والسنّة والشيعة والدروز ضمن نظام طائفي لا يسمح بقيام سلطة فعلية. منذ تأسيسه، لم يتمكّن لبنان من التحوّل إلى دولة قادرة على فرض سيادتها أو توحيد قرارها السياسي والعسكري. ومع بروز حزب الله كلاعب مواز للدولة، تلاشت الحدود بين الدويلة و الدولة، وبات وجود الكيان اللبناني برمّته مشروطا بقرار داخلي وخارجي يتعلق بمصير هذا السلاح.
وفي ظلّ العجز الرسمي عن تفكيك منظومة حزب الله، تتصاعد السيناريوهات المتعلقة بتقسيم لبنان كحلّ أخير. فبحسب معلومات متقاطعة، بدأت محادثات غير معلنة بين تل أبيب ودمشق برعاية روسية، تتضمن منح سوريا نفوذا مباشرا على مناطق الشمال والبقاع، مقابل اعترافها بسيادة إسرائيل على الجولان. في المقابل، تقيم إسرائيل منطقة أمنية تمتد حتى نهر الليطاني، تعتبر منزوعة السلاح بالكامل، وتشكّل حاجزا جغرافيا أمام أي تمدّد لحزب الله جنوبا.
من جهة أخرى، لا يمكن تجاهل التصعيد الدبلوماسي والإعلامي الإسرائيلي الأخير، الذي يطرح بشكل علني «نهاية لبنان ككيان». فبعض التصريحات تشير إلى أنّ ما يسمى لبنان لم يكن يوما دولة حقيقية، بل مجرد مشروع جغرافي بني على وهم التعايش، وسقط بفعل فشل الطبقة السياسية، وانفجار الأزمة الاقتصادية، وتغوّل الميليشيات.
في هذا المشهد المتشابك، تتقاطع السياسة مع الجغرافيا، والتاريخ مع السلاح، والدبلوماسية مع الطائفية. لم يعد السؤال ما إذا كان لبنان سيتغير، بل كيف، ومتى، وبأيّ ثمن. كما أنّ إعادة النظر في حدود سايكس – بيكو لا تعني فقط تفكك لبنان، بل ربما ولادة شرق أوسط جديد بمفاهيم «الأمن أولاً» بدل «الدولة أولاً».
فهل ما نشهده هو انهيار لبنان فحسب، أم بداية نهاية الخريطة التي عرفناها منذ مئة عام؟