رفع الغطاء الأميركي عن اليونيفيل: نحو فراغ أمني خطير جنوب لبنان؟
رفع الغطاء الأميركي عن اليونيفيل: نحو فراغ أمني خطير جنوب لبنان؟
أسئلة كثيرة تُطرح، وسواء تم التمديد أو لا، الثابت أنّ الولايات المتحدة بدأت عمليًا هدم «النظام الأمني» الذي حُكمت به الحدود الجنوبية منذ العام 2006. أما لبنان، فقد لا يكون أمامه سوى خوض معركة دبلوماسية شرسة، أوالإستعداد لسيناريو الفراغ.
في خطوة غير متوقّعة أربكت بيروت، وقّع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو خطة تقضي بإنهاء مهمة قوات الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (اليونيفيل) خلال ستة أشهر، ما يضع مصير واحدة من أقدم بعثات حفظ السلام في العالم على المحكّ. وقد أثارت الخطوة حالة ذعر في الأوساط السياسية والأمنية، وسط مخاوف من نتائج الانسحاب على التوازن الهشّ جنوبًا.
لماذا تضغط واشنطن؟
الموقف الأميركي يقوم على مقاربة جديدة تعتبر أنّ الصيغة الحالية لليونيفيل باتت تُشكّل:
- هدرًا ماليًا من دون نتائج فعلية على الأرض.
- عائقًا أمام الهدف الأميركي طويل الأمد المتمثّل بفرض سيطرة الجيش اللبناني الكاملة على المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني من دون شريك أممي.
- ورقة ضغط على حزب الله عبر دفع الأمور نحو مواجهة مباشرة بينه وبين إسرائيل أو الجيش اللبناني.
التشكيك الإسرائيلي بصدقية اليونيفيل: قوات منحازة لا تردع حزب الله
إسرائيل، التي طالما انتقدت الأداء «المتساهل» لليونيفيل، سارعت إلى المباركة الضمنية للخطّة الأميركية، مع تسجيل اعتراضات موجهة لبعض الدول المكوّنة للقوات، متهمةً إياها بالتحيّز أو بضعف الحزم، ومن بينها: إيرلندا، النمسا، سريلانكا، نيبال، مالطا، الفلبين، سلوفينيا، بنغلادش، جنوب أفريقيا، وفرنسا.
وتعتبر تل أبيب أنّ دولًا مثل فرنسا وإيرلندا باتت «مسيسة» أكثر من اللازم، بعد اتجاه باريس نحو الاعتراف بفلسطين، وإقدام دبلن على تشريع يحظر الاتجار مع المستوطنات الإسرائيلية.
الإستنفار الأوروبي دفاعًا عن اليونيفيل: الرحيل يعني إشعال فتيل الحرب
في المقابل، تسعى فرنسا ومعها غالبية العواصم الأوروبية إلى إفشال الخطة الأميركية، معتبرة أنّ قوة اليونيفيل تشكّل جدار ردع نفسي وأمني يُحبط الحسابات الإسرائيلية المتطرفة، وتُبقي قنوات الاتصال مفتوحة بين الجيش اللبناني والإسرائيلي لتفادي الحروب «الخطأ»، فضلا عن أنّها تؤمّن أداة للضغط على حزب الله ضمن المعادلات الدبلوماسية، من دون الذهاب إلى الحرب.
إنتهاء التفويض: ماذا يعني؟
مع انتهاء التفويض الحالي في 31 آب وعدم صدور قرار جديد من مجلس الأمن، تُصبح اليونيفيل من الناحية القانونية بلا غطاء، ما يعني:
توقف الدوريات والأنشطة العسكرية فورًا.
بداية ترتيبات الانسحاب التدريجي.
فراغ أممي غير مسبوق جنوب لبنان منذ 1978.
ارتفاع خطر الاحتكاك العسكري بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.
فقدان لبنان الرسمي ورقة تفاوضية أساسية كان يستخدمها في المحافل الدولية.
امتناع أوروبا لاحقًا عن القيام بدور البديل إذا تم تجاوزها في قرار الانسحاب.
ماذا عن حزب الله؟
في حال الانسحاب، تتوقع أوساط مواكبة أن تعتمد قيادة حزب الله سياسة "الانتشار الحذر"، فتملأ الفراغ ببطء من دون استفزاز مباشر، لكنها قد تعتبر غياب اليونيفيل فرصة لتعزيز الحضور في نقاط حسّاسة، ما ينذر باحتمالات وقوع خطأ "تكتيكي" قد يشعل مواجهة واسعة مع إسرائيل.
لبنان أمام خيارات أحلاها مرّ
هل يتسلم الجيش اللبناني وحده مهمة السيطرة جنوبًا وسط شحّ التمويل ونقص العتاد؟
كيف سيتعامل المسؤولون مع احتمال خسارة أحد أبرز عناصر التهدئة؟
هل يشكّل الانسحاب مقدّمة لمزيد من الضغوط الأميركية عبر ربط المساعدات العسكرية للبنان بمواقف على صلة بحزب الله؟
أسئلة كثيرة تُطرح، وسواء تم التمديد أو لا، الثابت أنّ الولايات المتحدة بدأت عمليًا هدم «النظام الأمني» الذي حُكمت به الحدود الجنوبية منذ العام 2006. أوروبا تُقاتل من أجل الإبقاء على الوضع القائم، فيما تنظر إسرائيل إلى اللحظة كفرصة تاريخية لتغيير قواعد الإشتباك. أما لبنان، العالق بين العجز المالي وحساسية القرار السياسي، فقد لا يكون أمامه سوى خوض معركة دبلوماسية شرسة، أو الإستعداد لسيناريو الفراغ.