المخيمات الفلسطينية في لبنان: سلاحٌ لا يُسلَّم وأمنٌ بالتراضي

المخيمات الفلسطينية في لبنان: سلاحٌ لا يُسلَّم وأمنٌ بالتراضي

  • ٠٢ أيلول ٢٠٢٥
  • أنطوني سعد

مشهد «تسليم السلاح» يتحوّل إلى واجهة سياسية أكثر منه خطوة حقيقية، ويبقى الخوف أن تستمر المخيمات بكونها خزانات بارود قابلة للإشتعال في أي لحظة.

منذ عقود، ظلّت المخيمات الفلسطينية في لبنان ملفاً شائكاً، بين هواجس الدولة اللبنانية ومصالح الفصائل الفلسطينية. الحديث عن تسليم السلاح يتكرر كل فترة، لكن الواقع يُظهرأنّ ما يجري لا يعدو كونه «ضحكاً على الدقون»، حيث يسلم فصيل جزءاً من ترسانته فيما يبقى السلاح منتشراً ومتحكماً بمصير المخيمات.
اليوم، يتوزع في لبنان إثنا عشر مخيماً فلسطينياً رسمياً، أبرزها عين الحلوة قرب صيدا، برج البراجنة وشاتيلا في بيروت، البداوي ونهر البارد في الشمال، إضافة إلى مخيمات صور مثل الرشيدية والبص. السيطرة فيها ليست موحدة؛ إذ تبقى حركة فتح هي القوة الأبرز، خاصة في عين الحلوة والبداوي، فيما تتواجد فصائل أخرى كحماس، الجهاد الإسلامي، والجبهتين الشعبية والديموقراطية، ولكلّ منها مربعاتها الأمنية.
قرار أبو مازن (رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس) بتسليم جزء من سلاح فتح يطرح تساؤلات جدية: هل هو خدمة للبنان أم إنسحاب من الساحة اللبنانية لتخفيف أعباء على السلطة؟ الأهم، ماذا عن المقاتلين أنفسهم؟ فهل سيستمرّ دفع رواتبهم بعد تسليم السلاح، أم أنّ حجة «انعدام السلاح» ستُستخدم لقطع الرواتب؟ وإذا خسر هؤلاء مصدر رزقهم، فالإحتمال الأكبر أن ينضموا إلى فصائل أخرى تبحث عن تعزيز نفوذها داخل المخيمات.
التجربة السورية تقدّم عبرة واضحة. فمع سقوط النظام في دمشق، إنسحبت الجبهة الشعبية من أنفاق الناعمة وقوسايا، وتسلّمها الجيش اللبناني. لكن اليوم، ما يجري هو تسليم جزئي لسلاح فصيل واحد فقط، من دون أي ضمانة بأنّ المخيمات ستكون خالية من السلاح أو أنّ الجيش سيتمكن من دخولها. فما الذي يمنع إعادة تكديس السلاح من جديد أو تسلّل منظمات أخرى لملء الفراغ؟
في الواقع، قد تكون النتيجة أنّ حركة فتح تتخلص من عبء لبنان، لكنها لا تغيّر شيئاً في المعادلة الأمنية. المخيمات ستبقى مغلقة بوجه الدولة، والفراغ الأمني قد تستغله أطراف أخرى. وهذا يعني أنّ «الأمن بالتراضي» لا يُنتج أمناً فعلياً، بل يُبقي لبنان رهينة توازنات هشة.
وإذا كانت هذه المسرحية هي النموذج للتعامل مع السلاح الفلسطيني، فكيف يمكن للبنانيين أن يقتنعوا بأنّ حزب الله سيأخذ مسألة سلاحه على محمل الجد؟ في النهاية، مشهد «تسليم السلاح» يتحوّل إلى واجهة سياسية أكثر منه خطوة حقيقية، ويبقى الخوف أن تستمر المخيمات بكونها خزانات بارود قابلة للإشتعال في أي لحظة.