المنطقة نحو تثبيت نتائج القوة.. الدولة اللبنانية تبيع الوهم
المنطقة نحو تثبيت نتائج القوة.. الدولة اللبنانية تبيع الوهم
الموفدون قالوا: «أشهد أنّي بلغت». والإعلام الأميركي والإسرائيلي أعاد التجييش المنهجي ضدّ حزب الله. ففي كلّ الحروب الكبيرة، تبدأ المعركة إعلامياً قبل أن تبدأ بالنار.
متى ستقع هذه الحرب وكيف سيكون شكلها؟. في المقاربة الواقعية، كل المعطيات الدبلوماسية والأمنية تشير إلى أنّنا أمام مرحلة إنتقالية في الصراع، مرحلة ما قبل الإنفجار. الدولة، في المقابل، تبيع الناس الوهم، بيانات تهدئة، كلام مطمئن، ومحاولات لتظهير أنّ التوتر قابل للإحتواء. لكن الحقائق لا تتناسب مع الخطاب الرسمي. الخطاب السياسي في بيروت «داخلي»، بينما القرار الأساسي يتّخذ خارج الحدود.
جميع المرسلين الذين عبروا العاصمة في الأسابيع الماضية حملوا الرسالة نفسها بصيغ مختلفة: صبر إسرائيل ينفد، وعلى الدولة اللبنانية أن تتحرّك. الأميركي كان الأكثر وضوحاً. رسائله تلامس خطوطاً حمراء، الوقت ضيّق، والنافذة الدبلوماسية تضيق. أما المصري، فهو يحاول إعادة تموضع في لحظة تاريخية، بحثاً عن دور إقليمي يعيد للقاهرة شيئاً من وزنها الضائع. نجم «الشرع المُحلّق» يقلق السيسي، وخارطة القوى تتبدّل بسرعة، والغياب عن الطاولة يعني خروجاً من اللعبة.
أما باقي الموفدين فجاؤوا فقط ليقولوا «أشهد أنّي بلغت». لأنّهم مدركون أنّ لبنان اليوم ليس صاحب قرار حرب أو سلم، بل ساحة تتلقى نتائج قرارات تُحسم في واشنطن وتل أبيب وطهران.
بالتوازي، الإعلام الأميركي والإسرائيلي أعادا منذ أسابيع التجييش المنهجي ضد حزب الله. فجأة بات هناك خطاب جديد عن «عودة قوة الحزب» و«ترميم ترسانته»، وعن «استعادة القدرة النارية كاملة بعد حرب غزة». هذه ليست عناوين صحافية مبعثرة. هذه عملية تحضير نفسي للرأي العام. في كلّ الحروب الكبيرة، تبدأ المعركة إعلامياً قبل أن تبدأ بالنار. وهي صناعة «مبرّرات الحرب» تبدأ بتصوير العدو كخطر يتعاظم، ثم إقناع الجمهور أنّ ضربه ضرورة.
هذه المرحلة ليست عابرة. نحن في نهاية الصراعات العربية – الإسرائيلية التقليدية. وفي نهاية الصراعات وتيرة العنف دائماً تصاعدية. إسرائيل لا تبحث عن «جولة» جديدة، بل عن «إقفال ملف». وهذه النهاية ستأتي بمستوى صدمة تتجاوز كل ما عرفه لبنان في حروبه السابقة.
لبنان اليوم يقف على حافة مشهد يتغيّر. الدولة اللبنانية ما زالت تتصرّف كأنّ هناك وقتاً لتدوير الزوايا. لكن الوقت الحقيقي انتهى. المنطقة تسير نحو لحظة «تثبيت» نهائي لنتائج القوة، لا نحو تسوية شكلية. وفي لحظة الحقيقة هذه، الوهم أيّاً كان شكله مكلف جداً. لأنّ الحرب إن وقعت، لن تسأل الرؤساء والوزراء كيف باعوا الناس الطمأنينة، بل سيُسأل الناس وحدهم عن الثمن.

