أوكرانيا تُراهن وروسيا تنتظر.. حرب الوقت المفتوح
أوكرانيا تُراهن وروسيا تنتظر.. حرب الوقت المفتوح
وسط هذا المشهد، تبدو أوروبا الخاسر الأكبر. قارة تحرق مليارات اليوروهات في حرب لا تملك قرارها ولا مفاتيح إنهائها.
من جديد، يعود الحديث عن «الصفقة» بين أوكرانيا وروسيا إلى الواجهة، كأنّ الحرب تقف على عتبة نهايتها. مسودات تُتداول، ضغوط أميركية، إعتراضات أوكرانية، وانتظار أوروبي ثقيل. لكن خلف كل هذا الضجيج، ملامح الواقع أكثر قسوة؛ الصفقة لن تُوقَّع، لا لأنّ السلام قريب، بل لأنّ موازين القوة تتحرك في اتجاه واحد، ومع كل شهر يمرّ تصبح كلفة الرفض أعلى.
على الأرض، روسيا لا تستعجل. التقدّم ليس كاسحاً، لكنه ثابت وتراكمي ومحسوب. كل بلدة إضافية، كل محور يُثبَّت، ينعكس مباشرة على طاولة التفاوض. في الحروب الطويلة، لا يُكافأ من يصمد فقط، بل من يعرف كيف يستثمر الزمن. وموسكو أثبتت أنّها اللاعب الأكثر صبراً، والأقل حاجة لتقديم تنازلات.
في المقابل، تجد كييف نفسها أمام لحظة قد تتحول لاحقاً إلى ندم استراتيجي. أوكرانيا تراهن على تعديل الشروط الأميركية وتحسين موقعها التفاوضي، لكنها تخوض سباقاً مع الزمن تخسره تدريجياً. رفض الصفقة اليوم قد يبدو تمسكاً بالسيادة، لكنه غداً قد يُقرأ كفرصة ضاعت. فكل شهر إضافي من الحرب يعني أوراق قوة أقل، وشروطاً أقسى، وخيارات أضيق. وبين شعار «عدم التنازل عن شبر» وواقع الذخيرة والجنود والإقتصاد المنهك، تتسع الفجوة، وقد تصبح لحظة الإعتراف متأخرة.
أما الولايات المتحدة، فلم تعد اللاعب الذي يموّل بلا حساب. المساعدات العسكرية والمالية تتراجع، والقرار الأميركي بات مشدوداً إلى الحسابات الداخلية. الرئيس دونالد ترامب لا يفضّل الصفقات الرمادية ولا إعادة التفاوض المتكرر. بالنسبة له، العرض واضح:؛ إمّا قبول أو إنهاء الرهان، ومع الوقت تصبح كلفة الرفض على كييف لا على واشنطن.
وسط هذا المشهد، تبدو أوروبا الخاسر الأكبر. قارة تحرق مليارات اليوروهات في حرب لا تملك قرارها ولا مفاتيح إنهائها. إستنزاف إقتصادي، ضغط على المجتمعات، وتآكل في المخزونات العسكرية، فيما الإنقسامات السياسية تتسع من باريس إلى برلين. أوروبا تدفع الثمن، بلا قدرة على فرض تسوية أو تغيير المعادلة.
الأخطر أنّ استمرار الحرب لم يعد يضعف موقع روسيا، بل يعزّزه. الزمن الذي كان يُفترض أن يعمل ضد موسكو، بات أحد أقوى أدواتها. وكل يوم إضافي في الميدان، يعيد رسم سقف أي تفاوض مقبل، ليس لمصلحة أوكرانيا بل ضدها.
في النهاية، ليست المشكلة متى ستُوقَّع الصفقة، بل متى سيُقال إنّ الصفقة التي رُفضت كانت أفضل الممكن، وإنّ حرب الوقت المفتوح كانت الرهان الأخطر في مواجهة خصم يعرف جيداً كيف ينتظر.

