حرب الظل تحت الأرض.. ماذا تعني خريطة الأنفاق الإسرائيلية في جنوب لبنان
حرب الظل تحت الأرض.. ماذا تعني خريطة الأنفاق الإسرائيلية في جنوب لبنان
المعطيات المتداولة دبلوماسياً تشير إلى أنّ العقيدة العسكرية الإسرائيلية بعد تجربة غزة باتت تميل إلى إستهداف العمق الوظيفي للخصم لا الإكتفاء بالحدود.
م يكن التقرير الذي نشره مركز ألما الإسرائيلي حول ما وصفه بشبكة أنفاق بطول 45 كيلومتراً في جنوب لبنان تفصيلاً عابراً في سياق التصعيد المستمر بين إسرائيل وحزب الله. فالخريطة التي أظهرت سلسلة قرى تمتد من منطقة جزين وصولاً إلى مشغرة والبقاع الغربي أعادت فتح أحد أخطر الملفات في أي حرب مقبلة وهو ملف المعركة تحت الأرض.
وفق الرواية الإسرائيلية لا نتحدث عن أنفاق حدودية تكتيكية كتلك التي كُشف عنها عام 2018 بل عن ممرات داخلية تسمح بربط نقاط انتشار الحزب في العمق وتؤمّن حركة المقاتلين والعتاد بعيداً عن أعين الطائرات ووسائل الإستطلاع الجوي. أسماء القرى الواردة في الخريطة من جنصنايا وسفنتا وزحلتا وصولاً إلى لويزة وسجود وعيشية وقطراني ومشغرة تُقدَّم على أنّها حلقات في سلسلة واحدة تمتد عبر الجغرافيا الجبلية الوعرة جنوب الليطاني.
لكن مصدراً دبلوماسياً غربياً على اطلاع على النقاشات الأمنية الدائرة يضع هذه الرواية في إطار مختلف. فبحسب المصدر لا وجود لنفق طويل واحد أو لخط تحت أرضي متصل بعشرات الكيلومترات بل شبكة من أنفاق قصيرة ومتوسطة منفصلة هندسياً لكنها مترابطة وظيفياً وكل منها يخدم منطقة وقرية محددة. هذا النموذج القائم على التوزيع يقلل كلفة البناء ويحد من مخاطر الإنهيار أو الكشف الواسع ويجعل التدمير الشامل أكثر تعقيداً.
هذا الفارق ليس تقنياً فحسب بل استراتيجي أيضاً. فوجود نفق ضخم واحد يعني هدفاً واضحاً يمكن تركيز جهد ناري وهندسي عليه بينما تفرض شبكة الأنفاق المتعددة سيناريو مختلفاً تماماً على أي جيش مهاجم. في هذه الحالة لا تعود الضربات الجوية كافية بل يصبح الدخول البري والتقدم خطوة بخطوة داخل القرى والتلال خياراً شبه حتمي.
من هنا يرى المصدر الغربي أنّ هذه المناطق قد تتحول إلى الهدف الأساسي في أي حرب إسرائيلية مقبلة على لبنان. ليس بسبب رمزيتها السياسية بل لأنّها تشكّل من وجهة النظر الإسرائيلية العمود الفقري للبنية التحضيرية التي تُعد تهديداً طويل الأمد. وتشير المعطيات المتداولة دبلوماسياً إلى أنّ العقيدة العسكرية الإسرائيلية بعد تجربة غزة باتت تميل إلى إستهداف العمق الوظيفي للخصم لا الإكتفاء بالحدود.
في المحصلة سواء ثبتت رواية النفق الواحد الممتد أو تأكد نموذج الأنفاق المتعددة فإنّ الرسالة واحدة. الجنوب لم يعد يُنظر إليه كساحة اشتباك محدودة بل كبنية معقّدة أُعدّت لاحتمال حرب طويلة. وفي أي مواجهة جديدة قد تكون المعركة الأخطر تلك التي لا تُرى ولا تُبث صورها بل تُخاض تحت الأرض.

