الحكومة اللبنانية لإعادة أموال المودعين: تقسيط وصندوق سندات معززة بأصول حقيقية

الحكومة اللبنانية لإعادة أموال المودعين: تقسيط وصندوق سندات معززة بأصول حقيقية

  • ٢١ كانون الأول ٢٠٢٥
  • تيريزا كرم

اعتمدت الحكومة مقاربة مختلفة في التعامل مع الأزمة المالية المستمرة منذ عام 2019، عبر الإقرار بحجم الخسائر المالية بدل الإستمرار في إنكارها أو ترحيلها.

بعد أكثر من خمس سنوات من الأزمة المالية في لبنان، وضعت الحكومة اللبنانية مشروع قانون يُعرف بـ«الفجوة المالية» كإطار قانوني للتعامل مع الودائع المصرفية العالقة منذ عام 2019. يهدف المشروع إلى تحديد الخسائر المالية وتوزيعها بين الدولة، مصرف لبنان، المصارف التجارية، والمودعين، مع وضع آليات عملية لاستعادة الأموال، خاصة لصغار المودعين.

خلفية الأزمة المالية

منذ خريف 2019، شهد النظام المصرفي اللبناني انهياراً فعلياً، مع قيود صارمة على السحب والتحويلات. في المقابل، تمكن بعض كبار النافذين وأصحاب الحسابات الكبيرة من تحويل أموالهم إلى الخارج. كما أن السياسات المالية السابقة، بما في ذلك رفع الفوائد والهندسات المالية، خلقت أرباحاً غير طبيعية لفئة محدودة، فيما تعرضت مدخرات المواطنين العاديين للخسارة.في هذه الظروف، جاء مشروع قانون الفجوة المالية لتحديد الخسائر وتوزيعها وفق معايير واضحة، بما يضمن حماية صغار المودعين ووضع آليات عادلة للتعامل مع المبالغ الأكبر.

آلية صرف الودائع

تقسم الخطة الودائع إلى فئتين رئيسيتين:الودائع حتى 100 ألف دولار: تُعاد بالكامل للمودعين، وتقسم على أربع سنوات. المبدأ الأساسي هو احتساب المودع بمجموع ودائعه بغض النظر عن عدد الحسابات، ما يمنع التحايل ويضمن العدالة بين المواطنين. على سبيل المثال، إذا كان لدى شخص حسابان بقيمة 40 ألف دولار لكل منهما، يُجمع المبلغ ويُحتسب كوديعة واحدة بقيمة 80 ألف دولار.

الودائع التي تتجاوز 100 ألف دولار: تُعالج عبر سندات معززة بأصول حقيقية تملكها الدولة أو مصرف لبنان، بما في ذلك الأراضي والمؤسسات والمرافق العامة. هذه السندات طويلة الأجل (بين 10 و15 سنة)، ويتم صرف 2 في المائة منها نقداً سنوياً، مع إمكانية تداولها في الأسواق المحلية والدولية، ما يسمح للمودع بالحصول على جزء من أمواله قبل انتهاء المدة.

بهذه الطريقة، تهدف الخطة إلى حماية مدخرات المواطنين العاديين، بينما تُعالج المبالغ الكبيرة من خلال أدوات مالية قابلة للتداول، بدل شطبها أو تحميلها على المودعين العاديين.

تحديد المسؤوليات

ينص القانون على توزيع المسؤوليات عن الخسائر وفق المعايير المعتمدة عالمياً:

المساهمون في المصارف: الذين استفادوا من الأرباح غير القانونية أو الهندسات المالية السابقة.

المصارف التجارية: المسؤولة عن سياسات رفع الفوائد ومنع السحب، مع وضع خطة لإعادة رسملة نفسها خلال خمس سنوات.

مصرف لبنان: يتحمل مسؤولية زيادة رساميله ودعم السندات الصادرة للمودعين.

الدولة اللبنانية: مسؤولة عن ضبط النظام المالي وضمان استمرارية التعافي.

كما يتضمن المشروع محاسبة من منع المواطنين من سحب ودائعهم قبل الانهيار، أو قدم لهم عروضاً مالية لإبقائها، فيما تم تحويل أموالهم الخاصة للخارج.

معالجة آثار الهندسات المالية السابقة

تُراعي الخطة تصحيح آثار الهندسات المالية منذ عام 2016، والتي أدت إلى أرباح غير طبيعية لبعض كبار المودعين، من دون المساس بالودائع الأصلية لصغار المودعين. كذلك، يتم إعادة احتساب القروض المصرفية: فمن حصل على تمويلات منخفضة بسعر صرف محدد لشراء منزل أو سيارة يُعالج وفق المعايير الطبيعية، بينما يُعاد احتساب القروض الكبيرة الممنوحة لمشاريع استثمارية وفق سعر الصرف وقت السداد، ويُسترد أي ربح تحقق على حساب أموال المودعين.

الإطار التنفيذي والتحديات

تؤكد الحكومة أن أي تأخير إضافي في إقرار القانون سيؤدي إلى تآكل أكبر للودائع وزيادة الفجوة المالية. ويواجه المشروع اعتراضات من المصرفيين وأصحاب المصالح، إلا أن التأجيل يزيد من حجم الخسائر ويحد من فعالية أي خطة تعافٍ مستقبلية.

كما يشدد القانون على أن إعادة الودائع دفعة واحدة غير ممكنة نظراً لحجم الفجوة، ما يجعل تقسيم المبالغ على أربع سنوات ضرورة عملية للحفاظ على استقرار النظام المصرفي، وضمان استمرار ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة.

يمثل مشروع قانون الفجوة المالية محاولة لضبط النظام المالي اللبناني، وحماية صغار المودعين، وإعادة توزيع الخسائر بطريقة عادلة وفق معايير محددة. ويُظهر المشروع أن أي تعافٍ مالي مستدام يتطلب تحديد المسؤوليات، إصلاح المصارف، ودعم الدولة للقطاع المالي، مع توفير آليات واضحة لإعادة الأموال للمودعين. تنفيذ هذا القانون بشكل سريع يساهم في الحد من الانهيار المستمر ويشكل مدخلاً أساسياً لأي إصلاحات مالية مستقبلية.