البروفسور جوزيف عازوري.. سيرة إنسانية وتألق مهني

البروفسور جوزيف عازوري.. سيرة إنسانية وتألق مهني

  • ٢١ كانون الأول ٢٠٢٥
  • خاص بيروت تايم

بين جذور عائلية دافئة ومسيرة طبية لامعة، يروي البروفسور جوزيف عازوري حكاية إنسان آمن بالعلم، فحوّل الصعوبات إلى طريق للشفاء والإنجاز

في مقابلة على برنامج In My DNA مع الإعلامية ريميال نعمة على موقع بيروت تايم، يستعرض البروفسور جوزيف عازوري مسيرته التي حملت عنوان الإنسانية والتميز المهني، من طفولته في لبنان حتى أن أصبح من أبرز الأطباء في مجال العقم والتخصيب الإصطناعي في لبنان والمنطقة. لمشاهدة الحلقة كاملة عبر هذا الرابط

https://www.youtube.com/watch?v=-pMDE8NdLSA

 طفولة لبنانية وتأسيس إنساني وصحي

ينحدر عازوري من بلدة عازو- قضاء جزين، ونشأ في أسرة متوسطة تقدّر العلم والالتزام. درس في مدرسة القلب الأقدس في الجميزة ثم في جامعة القديس يوسف في بيروت سنة 1975،وهي مرحلة عصيبة تزامنت مع اندلاع الحرب، ثم تابع تخصصاته في باريس.

يستحضر عازوري تأثير والدته عليه، التي كانت ربة منزل روحانية ومؤمنة، ويقول إنّه علّمها القراءة والكتابة ليفرحها بقدرتها على قراءة الإنجيل، وهي تجربة بقيت في ذاكرته كدرس إنساني عميق. كما تأثر منذ صغره بمرض والدته الذي أدى إلى إستئصال الرحم في عمر الثلاثينات، وهو ما أثار داخله تساؤلات دفعت به لاحقًا نحو الطب النسائي والتخصيب كاختيار طبيعي، خصوصًا أنه كان مولعًا بالمواد العلمية منذ البداية.

 الدراسة والتدرّج المهني

يتذكر عازوري فترة دراسته الجامعية قائلاً: «سافرتُ إلى فرنسا عبر باخرة لنقل الخضار بسبب إقفال المطار اشتغلت في كل ما يتوفر لأتمكن من متابعة دراستي. الغربة قاسية، لكنّني لم أستسلم رغم التحديات». واجه تحديات كبيرة خلال دراسته، لكنه لم يرَ طريقه للطب إلا بالعمل والإجتهاد، مدفوعًا برغبة عائلته التي كانت تضع آمالًا كبيرة فيه ليصبح طبيبًا. وفي نهاية السنة الأولى، تمكن من النجاح في امتحان كلية الطب في جامعة القديس يوسف في بيروت فقرر البقاء في بيروت.

بعد ذلك، تخصّص في التوليد، حيث اكتسب خبرة واسعة خلال تدريبه مع الطبيب الدكتور شاهين شمالي، الذي ترك أثرًا في شخصيته المهنية والإنسانية. ثم انتقل إلى باريس لإكمال تخصّصه في العقم، وهو اختصاص لم يكن منتشرًا في لبنان في ذلك الوقت. في إحدى المحطات المفصلية في حياته، تلقّى فرصة عمل في السعودية، لكن القدر قاده مرة أخرى إلى اتخاذ قرار العودة إلى لبنان حين اتصل به الدكتور شاهين شمالي في نفس اليوم ليدعوه إلى تسلّم عيادته ومرضاه لاضطراره على التوقّف عن العمل نتيجة ظرف صحي. اتخذ القرار بصعوبة، وكانت عائلته الداعم الأكبر له. وهكذا عاد إلى لبنان في ذروة الحرب الأهلية، ومن هنا بدأت رحلته المهنية.

يصف تلك المرحلة بقوله إنّه كان محظوظًا لأنّه تسلّم عيادة مرموقة بعد الدكتور شمالي، فلم يبدأ من الصفر، وأنّ الحظ لعب دوراً، الى جانب قراره الشخصي. وبفضل هذه المسيرة تجاوزت سمعته كطبيب حدود لبنان، إذ أتاحت له خبرته أن يستقبل أطباء من دول أخرى يتدربون على أساليب التخصيب الإصطناعي، خصوصًا من العراق حيث بنى علاقات احترام وتقدير خاصة.

 رؤية إنسانية في الطب

يؤمن عازوري بأنّ مهنة الطب ليست مجرد إجراءات تقنية، بل مسيرة مسؤولية إنسانية عميقة. وفي حديثه عن طب النساء، يقول: «كل عملية نسائية تحمل خطر النزيف ولكن الحياة تتخذ مسارها والأهم أنّ الأمهات لا يفكرن بالمشاكل» ويربط بين هذا النهج الإنساني والأولوية التي يعطيها لمصلحة المريض قبل أي اعتبار آخر، ويقول: «تجاوز المال لصالح مريضة بحاجة لأنّني  مؤمن بالقول «لا تُعبدوا ربّين الله والمال»

 التعليم اللبناني وأهمية مدارس الإرساليات

يرى عازوري أنّ لبنان هو أسلوب حياة حيثما وُجد لبناني ينجح ويتبوّأ أعلى المسؤوليات، ويعزو ذلك إلى نوعية التعليم في مدارس الإرساليات التي كانت، في رأيه، الركيزة الأساسية لتميّز لبنان، لأنّها خرّجت نخبًا قادرة على التواصل والتميز في مجالات العلم والثقافة، لا سيما بفضل معرفة اللغات والقدرة على التأقلم مع حضارات وثقافات متنوعة. هذا الأساس التعليمي المتين، كما يرى عازوري، كان من العوامل التي ساهمت في استمرار المستوى الطبي اللبناني عاليًا، رغم الصعوبات والحروب، وحتى مع تأثير المشاكل المادية على توفر بعض التقنيات الطبية الحديثة.

 إحترام المرضى وثقة المجتمع

يقول عازوري إنّ اللبنانيين معتادون على الرجوع إلى طبيب يثقون به، وأنّ المجتمع يمنح هذه الثقة، وهي نواة قوية للعلاقة بين الطبيب والمريض. كما يشير إلى أنّ الطب اللبناني يحظى بتقدير واحترام حتى من خارج الحدود، لاسيما في العراق، حيث يتوجه العديد من المرضى إلى لبنان للاستشفاء، إحترامًا لجودة الرعاية الطبية التي يقدمها الأطباء اللبنانيون. ويعبر عن مشاعره تجاه هذا الاحترام بقوله:«أنا عندي محبة خاصة للشعب العراقي الذي لطالما أظهر تضامنه مع لبنان» وعن اعتقاد بعض الناس يعتقدون أنّ الأطباء لا يتأثرون بالأزمات مثل غيرهم، يجيب إنّ الأطباء الجدد يتأثرون مثل باقي الناس، بينما قد يكون لدى الأطباء القدامى قدرات بنوها على مرّ السنوات تساعدهم على مواجهة الظروف.

 التعلم مدى الحياة وقيم الأسرة

يؤمن عازوري بأنّ الدرس لا ينتهي أبدًا، ويقول:«الدرس لا ينتهي وما زلت حتى اليوم أدرس وأتابع.» يتذكر والدته بكل احترام وامتنان، مشيرًا إلى أنّها كانت ربة منزل تسهر على أمور الأسرة وقد تركت أثرًا عميقًا في شخصيته وقيمه. وإنه مهما حقّق من إنجازات، فإنه لن يستطيع إيفاء والدَيه حقّهما في التربية والرعاية. ويعتبر أنّ الأشخاص الذين تلقّوا رعاية واهتمامًا تامًا في طفولتهم محظوظون جدًا، لأن هذه الرعاية تمنح أساسًا سليمًا للحياة. ويلاحظ أن ظروف الحياة تغيرت اليوم بحيث تعمل كثير من الأمهات خارج المنزل، ما جعل الوقت أكثر ثمنًا وأهمية في حياة الأسرة.

 الحياة المهنية والإنسانية خارج عيادة الطبيب

يقول عازوري إنّ العمل منحَه محبة الناس وزرع في قلبه المحبة لهم، كما وفر له ظروفًا مادية لائقة حتى في أصعب أوقات جائحة كورونا، إذ استطاع أن يؤمّن استمرار عمل موظفيه في مركزه دون توقف. وعلى الصعيد الأسري، يعبر عن ارتباطه العميق بأحفاده الذي يعتبرهم تعويضًا عن الوقت الذي لم يقضِه مع أولاده في شبابه بسبب الإنهماك بالعمل، معتبرًا هذه اللحظات فرصة ثمينة للحياة المشتركة والتواصل العميق.

العدالة الطبية والفدرالية

بالرغم من كل النجاح الذي حققه، فإنّ البروفسور عازوري لا يتوقف عن التفكير في كيفية تحسين الوضع الطبي في لبنان. يرى أنّ هناك حاجة لإصلاحات في النظام الصحي، ويعتقد أنّ الفدرالية قد تكون الحل الأنسب لضمان حقوق جميع الطوائف والمناطق. وعند سؤاله عن إمكانية شغل منصب وزير الصحة، قال: «أعتبر أن هذه فرصة لتحقيق العدالة الطبية في لبنان، ولحل العديد من المشاكل التي يعاني منها النظام الصحي».

رسالة إنسانية تواصل الأجيال

لقد حقق البروفسور جوزيف عازوري نجاحات كبيرة في مجال الطب، لكن ما يميز قصته هو ارتباطه العميق بالإنسانية وحبه لمساعدة الآخرين. مسيرته تمثل قصة أمل وإصرار، وهي مصدر إلهام لكل طبيب وكل شخص يسعى لتحقيق حلمه. وهو يأمل أن تستمر عائلته في حمل هذه الرسالة الإنسانية.