لقاء نتنياهو – ترامب.. إيران في الخطاب ولبنان في الحسابات

لقاء نتنياهو – ترامب.. إيران في الخطاب ولبنان في الحسابات

  • ٢٧ كانون الأول ٢٠٢٥
  • أنطوني سعد

لبنان، في الحسابات الإسرائيلية، هو الحلقة الأضعف في محور إيران، وهو الساحة التي يمكن تحقيق فيها إنجاز استراتيجي من دون التورط في حرب إقليمية مفتوحة.

 يُقدَّم اللقاء المرتقب بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب على أنّه إجتماع حاسم يتمحور حول الخطر الإيراني، وتحديداً القدرات الصاروخية الباليستية التي طورتها طهران خلال السنوات الماضية. معظم وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية تذهب في هذا الإتجاه، وتُظهر نتنياهو وهو يحمل إلى واشنطن ملفاً أمنياً ثقيلاً عنوانه «إيران أولاً». غير أنّ القراءة الأعمق لما يدور خلف الأبواب المغلقة تكشف أنّ الهدف الحقيقي والأكثر إلحاحاً بالنسبة لتل أبيب ليس طهران بحد ذاتها، بل بيروت.

إسرائيل تدرك أنّ شن حرب مباشرة وشاملة على إيران في هذه المرحلة هو خيار معقد ومكلف، سياسياً وعسكرياً. نتنياهو يعرف جيداً أنّ ترامب، ورغم خطابه المتشدد، ليس في وارد فتح جبهة كبرى ثانية في الشرق الأوسط في وقت تلوح فيه مؤشرات تصعيد خطير في أميركا اللاتينية، واحتمال انزلاق واشنطن إلى مواجهة مع فنزويلا. لذلك، يستخدم رئيس الحكومة الإسرائيلية إيران كأداة ضغط ومساومة، أو ما يمكن تسميته «highballing»، رافعاً سقف المطالب إلى الحد الأقصى وهو يعلم مسبقاً أنّ واشنطن لن تذهب بعيداً في هذا المسار.

لكن في المقابل، نتنياهو متيقن أيضاً من أنّ ترامب لا يستطيع رفض كل المطالب الإسرائيلية دفعة واحدة. فإذا كان الباب موصداً أمام حرب مباشرة مع إيران، فإنّ الساحة اللبنانية تبقى، من وجهة النظر الإسرائيلية، الهدف الأكثر واقعية وقابلية للتنفيذ. هنا تحديداً يكمن «السر» في هذا اللقاء، استكمال ما تعتبره إسرائيل «العمل غير المنجز» في لبنان، أي نزع سلاح حزب الله وإنهاء دوره العسكري بشكل نهائي.

لبنان، في الحسابات الإسرائيلية، هو الحلقة الأضعف في محور إيران، وهو الساحة التي يمكن تحقيق فيها إنجاز استراتيجي من دون التورط في حرب إقليمية مفتوحة. نتنياهو يسعى إلى انتزاع غطاء سياسي أميركي، أو على الأقل ضوءاً أصفر، يسمح لإسرائيل بالضغط عسكرياً وأمنياً وسياسياً لإنهاء معادلة السلاح خارج الدولة. وفي هذا السياق، تصبح إيران مجرد عنوان إعلامي كبير، فيما الهدف العملي هو تغيير ميزان القوى في لبنان.

العامل الأميركي الداخلي يلعب دوراً حاسماً في هذه المعادلة. ترامب مقبل على استحقاق انتخابي صعب مع الإنتخابات النصفية، وأي خسارة في مجلسي النواب أو الشيوخ ستُضعف رئاسته بشكل كبير. منذ عام 2020، حصل ترامب على أكثر من 200 مليون دولار من تبرعات منظمات ضغط مؤيدة لإسرائيل، وفي مقدّمها AIPAC. هذه الأموال ليست تفصيلاً، بل تشكل رافعة أساسية لحملاته الإنتخابية ولمحاولته الحفاظ على السيطرة الجمهورية على الكونغرس.

من هنا، يصبح من الصعب على ترامب أن يصطدم مباشرة بنتنياهو أو أن يرفض مطالبه بالكامل. هو قد لا يوافق على حرب مع إيران الآن، لكنه في الوقت نفسه يحتاج إلى إرضاء القاعدة الداعمة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، سياسياً ومالياً. والنتيجة المتوقعة هي تسوية غير معلنة، لا حرب شاملة على إيران، مقابل تشدّد أكبر في لبنان، وضغط متصاعد تحت عنوان «إنهاء التهديد على الحدود الشمالية لإسرائيل».

إلى جانب كل ذلك، لا يمكن فصل إندفاعة نتنياهو نحو الساحة اللبنانية عن حاجته الداخلية إلى تحقيق نصر سياسي وأمني كبير. رئيس الحكومة الإسرائيلية، ومعه اليمين المتشدّد الذي يشكل العمود الفقري لحكومته، يواجه أزمة ثقة داخلية عميقة وانقساماً غير مسبوق في المجتمع الإسرائيلي. وبعد الإخفاق في تحقيق حسم واضح في غزة، بات نتنياهو بحاجة إلى إنجاز قابل للتسويق داخلياً يعيد ترميم صورته ويمنحه دفعة حاسمة في أي إستحقاق إنتخابي مقبل.

في هذا الإطار، تبدو المواجهة مع حزب الله، من وجهة النظر الإسرائيلية، الحرب الوحيدة التي يمكن «الفوز» بها سياسياً. إيران تشكل مخاطرة كبرى وغير مضمونة النتائج، أما لبنان فيُقدَّم للرأي العام الإسرائيلي كساحة يمكن فيها تحقيق نصر واضح ومباشر. نزع سلاح الحزب أو توجيه ضربة قاصمة له يمكن أن يُترجم كإنجاز تاريخي يعيد للجيش الإسرائيلي هيبته، ويمنح اليمين المتطرف ورقة انتخابية ثمينة. لذلك، فإنّ الضغط باتجاه لبنان ليس خياراً عسكرياً فحسب، بل ضرورة سياسية لنتنياهو وحلفائه.

في الخلاصة، لقاء نتنياهو – ترامب ليس مجرد اجتماع حول إيران، بل محطة لإعادة ترتيب الأولويات الإقليمية. إيران في الواجهة الإعلامية، لكن لبنان في صلب الحسابات. وما لم تُدرك القوى اللبنانية حجم ما يُحضَّر خلف الكواليس، قد تجد البلاد نفسها مرة جديدة ساحة لتصفية صراعات أكبر منها، وبكلفة سيدفعها اللبنانيون وحدهم.